وتناقض القوم أكثر من أن يمكن ذكره هنا، ومن تصور هذا المعنى علم بالاضطرار أن ولا الكلي المطلق المشترك بين الأعيان جزء منه، ثابت فيه في الخارج، ومن جعل المطلقات الكلية ثابتة في الخارج وجزءا من العينات، وأثبت في المعينات أمورا مطلقة، فلا ريب أنه لم يتصور ما قال، أو هو فاسد العقل، بأي عبارة عبر عن ذلك، مثل أن يقول: الماهية الكلية يعرض لها التعين، أو هي معروضة التعين، أو هي غير مانعة من التعين، أو جعلوا الكلية عارضة للتعين، كقولهم: معروض الكلي في الخارج، فإنهم لما ظنوا أن في الخارج كليا ومعينا، صاروا تارة [ ص: 127 ] يجعلون هذا عارضا لذاك، وتارة يجعلون ذاك عارضا لهذا، ويقولون: الماهية يعرض لها أن تكون كلية وجزئية. هذا الإنسان المعين، هو حيوان معين، وجسم معين وناطق معين، وأنه ليس فيه شيء كلي مطلق، مشترك بينه وبين غيره،
وحقيقة الأمر أن الماهية الكلية إنما تكون كذلك في الذهن وما في الذهن لا يوجد في الخارج إلا معينا، ومعنى وجوده وجود ما يطابقه: مطابقة العلم للمعلوم، والاسم للمسمى، والإرادة للمراد، وإلا فعاقل يتصور ما يقول لا يقول: إن الكليات توجد في الخارج إلا إذا أراد به أن ما هو كلي في الأذهان يكون ثابتا في الأعيان، لكن معينا. وهؤلاء ينكرون على من يقول: المعدوم شيء ثابت في الخارج.