أتهجوه، ولست له بكفء؟ فشركما لخيركما الفداء
فقد نفى أن يكون كفوا لمحمد، مع أن كليهما جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق، ولكن من الأشياء في صفة من الصفات، ولا فعل من الأفعال، ولا حق من الحقوق، وذلك لا ينفي كونه متصفا بصفات الكمال. النصوص الإلهية لما دلت على أن الرب ليس له كفء في شيء من الأشياء، ولا مثل له في أمر من الأمور، ولا ند له في أمر من الأمور، علم أنه لا يماثله شيء
فإذا قيل: هو حي، ولا يماثله شيء من الأحياء في أمر من الأمور، وعليم وقدير وسميع وبصير، ولا يماثله عالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير في أمر من الأمور، كان ما دل عليه السمع مطابقا لما دل عليه العقل من عدم مماثلة شيء من الأشياء له في أمر من الأمور. [ ص: 118 ]
وأما كون ما له حقيقة أو صفة أو قدر يكون بمجرد ذلك مماثلا لما له حقيقة أو صفة أو قدر فهذا باطل عقلا وسمعا، فليس في لغة العرب ولا غيرهم إطلاق لفظ المثل على مثل هذا، وإلا فيلزم أن يكون كل موصوف مماثلا لكل موصوف، وكل ما له حقيقة مماثلا لكل ما له حقيقة، وكل ما له قدر مماثلا لكل ما له قدر، وذلك يستلزم أن يكون كل موجود مماثلا لكل موجود.
وهذا - مع أنه في غاية الفساد والتناقض - لا يقوله عاقل، فإنه يستلزم التماثل في جميع الأشياء، فلا يبقى شيئان مختلفان غير متماثلين قط، وحينئذ فيلزم أن يكون الرب مماثلا لكل شيء، فلا يجوز نفي مماثلة شيء من الأشياء عنه، وذلك مناقض للسمع والعقل، فصار حقيقة قولهم في نفي التماثل عنه يستلزم ثبوت مماثلة كل شيء له، فهم متناقضون مخالفون للشرع والعقل.