الوجه السادس: أن يقال: إذا قدر أن السمع موقوف على العلم بأنه ليس بجسم مثلا لم يسلم أن مثبتي الصفات التي جاء بها القرآن والسنة خالفوا موجب العقل، فإن قولهم فيما يثبتونه من الصفات كقول سائر من ينفي الجسم ويثبت شيئا من الصفات.
فإذا كان أولئك يقولون: إنه حي عليم قدير وليس بجسم، ويقول آخرون: إنه حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، بل وسميع وبصير ومتكلم بسمع وبصر وكلام، وليس بجسم، أمكن هؤلاء أن يقولوا في سائر الصفات التي أخبر بها الرسول ما قال هؤلاء في هذه الصفات.
[ ص: 100 ]
وإذا أمكن المتفلسف أن يقول: هو موجود، وعاقل ومعقول وعقل، وعاشق ومعشوق وعشق، ولذيذ وملتذ ولذة، وهذا كله شيء واحد، وهذه الصفة هي الأخرى، والصفة هي الموصوف، وإثبات هذه الأمور لا يستلزم التجسيم، أمكن سائر مثبتة الصفات أن يقولوا هذا وما هو أقرب إلى المعقول، فلا يقول من نفى شيئا مما أخبر به الشارع من الصفات قولا ويقول: إنه يوافق المعقول، إلا ويقول من أثبت ذلك ما هو أقرب إلى المعقول منه.
وهذه جملة سيأتي إن شاء الله تفصيلها، وبيان أن كل من أثبت ما أثبته الرسول ونفى ما نفاه كان أولى بالمعقول الصريح، كما كان أولى بالمنقول الصحيح، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=29616من خالف صحيح المنقول فقد خالف أيضا صريح المعقول، وكان أولى بمن قال الله فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [سورة تبارك: 10] .
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا قُدِّرَ أَنَّ السَّمْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ مَثَلًا لَمْ يُسَلَّمْ أَنَّ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ خَالَفُوا مُوجَبَ الْعَقْلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ فِيمَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الصِّفَاتِ كَقَوْلِ سَائِرِ مَنْ يَنْفِي الْجِسْمَ وَيُثْبِتُ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ.
فَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ، وَيَقُولُ آخَرُونَ: إِنَّهُ حَيٌّ بِحَيَاةٍ، عَلِيمٌ بِعِلْمٍ، قَدِيرٌ بِقُدْرَةِ، بَلْ وَسَمِيعٌ وَبَصِيرٌ وَمُتَكَلِّمٌ بِسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَكَلَامٍ، وَلَيْسَ بِجِسْمٍ، أَمْكَنَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَقُولُوا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الرَّسُولُ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ.
[ ص: 100 ]
وَإِذَا أَمْكَنَ الْمُتَفَلْسِفُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ مَوْجُودٌ، وَعَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وَعَقْلٌ، وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وَعِشْقٌ، وَلَذِيذٌ وَمُلْتَذٌّ وَلَذَّةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْأُخْرَى، وَالصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفُ، وَإِثْبَاتُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّجْسِيمَ، أَمْكَنَ سَائِرُ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ أَنَّ يَقُولُوا هَذَا وَمَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْقُولِ، فَلَا يَقُولُ مَنْ نَفَى شَيْئًا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الشَّارِعُ مِنَ الصِّفَاتِ قَوْلًا وَيَقُولُ: إِنَّهُ يُوَافِقُ الْمَعْقُولَ، إِلَّا وَيَقُولُ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْقُولِ مِنْهُ.
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَفْصِيلُهَا، وَبَيَانُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ مَا أَثْبَتَهُ الرَّسُولُ وَنَفَى مَا نَفَاهُ كَانَ أَوْلَى بِالْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ، كَمَا كَانَ أَوْلَى بِالْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29616مَنْ خَالَفَ صَحِيحَ الْمَنْقُولِ فَقَدْ خَالَفَ أَيْضًا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ، وَكَانَ أَوْلَى بِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [سُورَةُ تَبَارَكَ: 10] .