هذا مع أن إثبات الموجود الواجب الغني الخالق، وإثبات الموجود الممكن المحدث الفقير المخلوق، هو من أظهر المعارف وأبين العلوم.
أما ثبوت الموجود المفتقر المحدث الفقير، فيما نشاهده من كون بعض الموجودات يوجد بعد عدمه، ويعدم بعد وجوده، من الحيوانات والنباتات والمعدن، وما بين السماء والأرض من السحاب والمطر والرعد والبرق وغير ذلك، وما نشاهده من حركات الكواكب، وحدوث الليل بعد النهار، والنهار بعد الليل، فهذا كله فيه من حدوث موجود بعد عدمه، ومعدوم بعد وجوده، وما هو مشهود لبني آدم يرونه بأبصارهم.
ثم إذا شهدوا ذلك فنقول: معلوم أن المحدثات لا بد لها من محدث. والعلم بذلك ضروري كما قد بين، ولا بد من محدث لا يكون [ ص: 266 ] محدثا، وكل محدث ممكن، والممكنات لا بد لها من واجب، وكل محدث وممكن فقير مربوب مصنوع، والمفتقرات لا بد لها من غني، والمربوبات لا بد لها من رب، والمخلوقات لا بد لها من خالق.
وأيضا فإنه يقال: هذا الموجود إما أن يكون واجبا بنفسه، وإما أن لا يكون واجبا بنفسه، بل ممكنا بنفسه واجبا بغيره، والممكن بنفسه الواجب بغيره لا بد له من واجب بنفسه، فلزم ثبوت الواجب بنفسه على التقديرين.
وأيضا فلزم وجود القديم على التقديرين. فالموجود: إما أن يكون محدثا، وإما أن يكون قديما، والمحدث لا بد له من قديم،
وأيضا فالموجود إما أن يكون مخلوقا، وإما أن لا يكون، والمخلوق لا بد له من خالق، فيلزم ثبوت الموجود الذي ليس بمخلوق على التقديرين.
وأيضا على التقديرين. فإما أن يكون خالقا وإما أن لا يكون، وقد علم فيما ليس بخالق -كالموجودات التي علم حدوثها- أنها مخلوقة، والمخلوق لا بد له من خالق، فعلم ثبوت الخالق
وأيضا فالموجود إما غني عن كل ما سواه، وإما مفتقر إلى غيره، والفقير إلى غيره لا بد له من غني بنفسه، فعلم ثبوت الغني بنفسه على التقديرين. [ ص: 267 ]
فهذه البراهين وأمثالها كل منها يوجب العلم بوجود الرب سبحانه وتعالى الغني القديم الواجب بنفسه.