الوجه الثالث: أن كقول من يقول منهم: إنا لا نعلم صدق الرسول حتى نعلم وجود الصانع، وأنه قادر غني لا يفعل القبيح، ولا نعلم ذلك حتى نعلم أنه ليس بجسم، أو لا نعلم إثبات الصانع حتى نعلم حدوث العالم، ولا نعلم ذلك إلا بحدوث الأجسام، فلا يمكن أن يقبل من السمع ما يستلزم كونه جسما. يقال لمن ادعى من هؤلاء توقف العلم بالسمع على مثل هذا النفي،
فيقال لهم: قد علم بالاضطرار من دين الرسول والنقل المتواتر أنه دعا الخلق إلى الإيمان بالله ورسوله، ولم يدع الناس بهذه الطريق التي قلتم: إنكم أثبتم بها حدوث العالم، ونفي كونه جسما، وآمن بالرسول من آمن به من المهاجرين والأنصار، ودخل الناس في دين الله أفواجا، ولم يدع أحدا منهم بهذه الطريق، ولا ذكرها أحد منهم، ولا ذكرت في القرآن ولا حديث الرسول، ولا دعا بها أحد من الصحابة [ ص: 98 ] والتابعين لهم بإحسان الذين هم خير هذه الأمة وأفضلها علما وإيمانا، وإنما ابتدعت هذه الطريق في الإسلام بعد المائة الأولى وانقراض عصر أكابر التابعين، بل وأوساطهم، فكيف يجوز أن يقال: إن تصديق الرسول موقوف عليها، وأعلم الذين صدقوه وأفضلهم لم يدعوا بها، ولا ذكروها، ولا ذكرت لهم، ولا نقلها أحد عنهم، ولا تكلم بها أحد في عصرهم؟.