الوجه الثاني: أن جمهور الخلق يعترفون بأن المعرفة بالصانع وصدق الرسول ليس متوقفا على ما يدعيه بعضهم من العقليات المخالفة للسمع، والواضعون لهذا القانون - كأبي حامد والرازي وغيرهما - معترفون بأن فطوائف كثيرون - العلم بصدق الرسول [ ص: 92 ] لا يتوقف على العقليات المعارضة له، كأبي حامد والشهرستاني وأبي القاسم الراغب وغيرهم - يقولون: العلم بالصانع فطري ضروري.
والرازي وغيرهما من النظار يسلمون أن العلم بالصانع قد يحصل بالاضطرار، وحينئذ فالعلم بكون الصانع قادرا معلوم بالاضطرار، والعلم بصدق الرسول عند ظهور المعجزات التي تحدى الخلق بمعارضتها وعجزوا عن ذلك معلوم بالاضطرار. والآمدي
ومعلوم أن السمعيات مملوءة من إثبات الصانع وقدرته وتصديق رسوله، ليس فيها ما يناقض هذه الأصول العقلية التي بها يعلم السمع، بل الذي في السمع [ ص: 93 ] يوافق هذه الأصول، بل السمع فيه من بيان الأدلة العقلية على إثبات الصانع، ودلائل ربوبيته وقدرته، وبيان آيات الرسول ودلائل صدقه أضعاف ما يوجد في كلام النظار، فليس فيه - ولله الحمد - ما يناقض الأدلة العقلية التي بها يعلم صدق الرسول.
ومن جعل العلم بالصانع نظريا يعترف أكثرهم بأن من الطرق النظرية التي بها يعلم صدق الرسول ما لا يناقض شيئا من السمعيات.
والرازي ممن يعترف بهذا، فإنه قال في نهاية العقول في مسألة التكفير في: «المسألة الثالثة»: «في أن مخالف الحق من أهل الصلاة هل يكفر أم لا؟» .
قال في أول كتاب مقالات الإسلاميين: اختلف المسلمون - بعد نبيهم - في أشياء ضلل فيها بعضهم بعضا، وتبرأ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، إلا أن الإسلام يجمعهم فيعمهم، فهذا مذهبه، وعليه أكثر الأصحاب، ومن الأصحاب من كفر المخالفين. [ ص: 94 ] الشيخ أبو الحسن الأشعري