قلت: ولقائل أن يقول: أما الوجه الأول فضعيف، فإن كون ما لا [ ص: 49 ] يتناهى معوزا للواحد كالمعلوم فساده بالضرورة، بل يمكن أن يقال: فأما إذا قدر ما لا مبدأ ولا منتهى له فليس عددا محصورا، فلا يكون شفعا ولا وترا، كما يقوله المسلمون وغيرهم من أهل الملل فيما يحدثه الله تعالى في المستقبل من نعيم الجنة: إنه لا شفع ولا وتر. ما لا يتناهى لا يمكن أن يكون لا شفعا ولا وترا، لأن الشفع والوتر نوعا جنس العدد المحصور الذي له طرفان: مبدأ، ومنتهى.
وهذا أيضا قول الفلاسفة الطبيعية والإلهية: إن ما لا نهاية له لا يكون شفعا ولا وترا، وذلك أن ما لا نهاية له ليس له طرفان. والشفع: ما يقبل الانقسام بقسمين متساويين، وهذا إنما يعقل فيما له طرفان منتهيان، وإذا لم يمكن أن يكون شفعا لم يمكن أن يكون وترا.
وأما عقود الحساب فالمقدر منها في الذهن محصور متناه، وما لا يتناهى لا تقدره الأذهان، بل كل ما يضعفه الذهن من عقود الحساب فهو متناه، والمراتب في نفسها متناهية، ولكن إحدى المرتبتين لو وجدت أفرادها في الخارج لكانت أكثر من الأولى، وليس ذلك تفاوتا في أمور موجودة، ولا في الأذهان ولا في الأعيان.