قال "وباقي الوجوه في الدلالة ما ذكرناه في امتناع حوادث غير متناهية في إثبات واجب الوجود، وقد ذكرت فلا حاجة إلى إعادتها". الآمدي:
وهو قد ذكر قبل ذلك في امتناع ما لا يتناهى أربعة طرق، فزيفها واختار طريقا خامسا، الأول: التطبيق، وهو أن يقدر جملة (فلو كان ما قبلها لا نهاية له، فلو فرضنا زيادة متناهية على الجملة المفروضة، ولتكن الزيادة عشرة مثلا، فالجملة الأولى: إما أن تكون مساوية لنفسها مع فرض الزيادة عليها، أو أزيد، أو أنقص. والقول المساواة والزيادة محال، فإن الشيء لا يكون مع غيره كهو لا مع غيره، ولا أزيد. وإن كانت الجملة الأولى ناقصة بالنظر إلى الجملة الثانية، فمن المعلوم أن التفاوت بينهما إنما هو بأمر متناه، وعند ذلك [ ص: 41 ] فالزيادة لا بد أن يكون لها نسبة إلى الباقي بجهة من جهات النسب على نحو زيادة المتناهي على المتناهي.
ومحال أن يحصل بين ما ليسا بمتناهيين النسبة الواقعة بين المتناهيين.
وأيضا فإنه إذا كانت إحدى الجملتين أزيد من الأخرى بأمر متناه، فليطبق بين الطرفين الآخرين، بأن تأخذ من الطرف الأخير من إحدى الجملتين عددا مفروضا، ومن الأخرى مثله، وهلم جرا، فإما أن يتسلسل الأمر إلى غير النهاية، فيلزم منه مساواة الأنقص للأزيد في كلا طرفيه: وهو محال. وإن قصرت الجملة الناقصة في الطرف الذي لانهاية له فقد تناهت، والزائدة إنما زادت على الناقصة بأمر متناه، وكل ما زاد على المتناهي بأمر متناه فهو متناه".
قال: "وهذا لا يستقيم لا على قواعد الفلاسفة، ولا على قواعد المتكلمين. [ ص: 42 ]
أما الفلاسفة فإنهم قضوا بأن كل ما له ترتيب وضعي كالأبعاد والامتدادات، أو الترتيب الطبيعي وآحاده موجودة معا كالعلل والمعلولات، فالقول بعدم النهاية فيه مستحيل، وما سوى ذلك فالقول بعدم النهاية فيه غير مستحيل، وسواء كانت آحاده موجودة معا كالنفوس بعد مفارقة الأبدان أو هي على التعاقب والتجدد كالأزمنة والحركات الدورية، فإن ما ذكروه - وإن استمر لهم فيما قضوا فيه بالنهاية - فهو لازم لهم فيما قضوا فيه بعدم النهاية. وعند ذلك فلا بد من بطلان أحد الأمرين: إما الدليل إن كان اعتقادهم عدم النهاية حقا، وإما اعتقاد عدم النهاية إن كان الدليل حقا، لاستحالة الجمع".