ولقائل أن يقول: التضاد بين الحركة والسكون من جنس التضاد بين الحياة والموت، والعلم والجهل، والقدرة والعجز، والسواد والبياض، والعمى والبصر، والحلاوة والحموضة، ونحو ذلك من الصفات الثبوتية، أو التي بعضها ثبوتي وبعضها عدمي، ليس هو من جنس تضاد القائمين بأنفسهما، كالأسود والأبيض، فإن التضاد إنما يكون في المعتقبين اللذين يعتقبان على محل واحد، كما فكيف يكون أحدها مثل الآخر لا يفارقه إلا بصفة عرضية؟ وفي الجملة: فالحركة والسكون هما إن كانا وجوديين فهما عرضان، وإن كان أحدهما وجوديا فأحدهما عرض والآخر عدم العرض، وعلى التقديرين: فليسا قائمين بأنفسهما، فلا يجوز تشبيههما بالأجسام، كالأسود والأبيض، والطويل والقصير، والعالم والجاهل، بل يجب تشبيههما بالأعراض وعدم الأعراض كالسواد والبياض والعلم وعدم العلم ونحو ذلك. [ ص: 381 ] قال متكلمة أهل الإثبات: الضدان كل معنيين يستحيل اجتماعهما في محل واحد لذاتيهما من جهة واحدة، فما لم يكن المعنيان قائمين بمحل واحد فلا تضاد، والحركة والسكون يعتقبان على المحل الواحد إما تعاقب اللونين والطعمين وإما تعاقب العلم والبصر والسمع وعدم ذلك،
فقول "إن الحركة والسكون متقابلان تقابل الضدين، أو تقابل العدم والملكة. الأرموي:
وعلى التقديرين: يجب اختلاف ماهيتها لا تماثلهما" كلام صحيح، وقول المعارض له: إن الاختلاف إذا كان لعارض كما بين الأسود والأبيض: لم يجب اختلاف الماهيتين، فإن ماهية الأسود من جنس ماهية الأبيض: كلام باطل ؛ لأن الأسود والأبيض من باب الأجسام القائمة بأنفسها، لا من باب الصفات والأعراض.
وأيضا، فالأسود والأبيض لا يتقابلان تقابل الضدين، ولا تقابل العدم والملكة فليسا من هذا الباب، اللهم إلا إذا أراد مريد بذلك: أن الحيز الذي فيه الأسود لا يكون فيه الأبيض، وحينئذ فيكون تضاد الأبيض والأسود كتضاد الأسودين والأبيضين.