[ ص: 336 ] الوجه الثالث: أن يقال: إن قول القائل: "إن الأمة اجتمعت على تنزه الله تعالى عن النقص، وقوله: اجتمعت على تنزيه الله تعالى عن العيب والآفة ونحو ذلك". وهذا القدر ليس بمنقول اللفظ عن كل واحد من الأمة، لكن نحن نعلم أن وإن كان بعض الملحدين يصفه بما يعتقده هو نقصا وعيبا، فهذا من جنس نفاة الصانع تعالى، ولهذا كان نفاة الصفات إنما نفوها وهم يعتقدون أن إثباته يقتضي النقص كالحدوث والإمكان ومشابهة الأحياء، ومثبتوها إنما أثبتوها لاعتقادهم أن إثباتها يوجب الكمال. وعدمها يستلزم النقص والعدم ومشابهة الجمادات، وكذلك مثبتة القدر ونفاته، بل كل مسلم فهو ينزه الله تعالى عن النقص والعيب، بل العقلاء كلهم متفقون على ذلك، فإنه ما من أحد ممن يعظم الصانع سبحانه وتعالى وصف الله بصفة وهو يعتقد أنها آفة وعيب ونقص في حقه، وأهل الشرك أشركوا تعظيما لله أن يعبد بلا وساطة تكون بينه وبين خلقه. بعض نفاة النبوة زعموا أنهم نفوها تعظيما لله أن يكون رسوله من البشر،
فإذا كان كذلك فمن المعلوم: [ ص: 337 ] أن الإنسان لو احتج بإجماع المسملين على نفي النقص والعيب عن الله تعالى على من يثبت الصفات، مدعيا أن إثباتها نقص وعيب أو بالعكس، لقال له المثبتة: نحن لم نوافقك على نفي هذا المعنى الذي سميته أنت نقصا وعيبا، فلا تحتج علينا بالموافقة على لفظ لم نوافقك على معناه، وأمكنهم حينئذ أن يقولوا: نحن ننازعك في هذا المعنى وإن سميته أنت نقصا وعيبا، فلا يكون حجة ثابتة، إلا أن يقوم دليل على انتفاء ذلك غير الإجماع المشروط بموافقتهم.