والسلف كثيرا ما يقولون: الصفة من الموصوف، والصفة بالموصوف، فيقولون: علم الله من الله، وكلام الله من الله، ونحو ذلك ؛ لأن ذلك داخل في مسمى اسمه. فليس خارجا عن مسماه، بل هو داخل في مسماه، وهو من مسماه.
فعبد العزيز قرر حجته بأن وما ألزمه إياه الفعل صفة لله عن قدرته، لا يمنعه منه مانع، وهذا كاف، لا يلزمه إلا بمقدمات لم يقرر بشر منها شيئا. بشر
وأي تقدير من تلك التقديرات قال به القائل كان خيرا من قول المريسي.
التقدير الأول: قول من يقول: إن الفعل حادث قائم بذات الله بقدرته، كما يقول ذلك من يقوله من الكرامية. وهذا خير من قول وأمثاله من المريسي الجهمية، فإن ما يلزم أصحاب هذا القول من [ ص: 277 ] تسلسل الحوادث يلزمهم مثله، والذي يلزمهم من نفي الخلق والفعل لا يلزم أصحاب هذا القول.
وأما قولهم: "إنه محل للحوادث" فمثل قولهم: إنه محل للأعراض".
التقدير الثاني: قول من يقول: إن الفعل قديم أزلي، كما يقول ذلك من يقوله من الكلابية، ومن الفقهاء: الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والصوفية.
وهذا أيضا على هذا التقدير يكون من جنس قول الصفاتية، وهؤلاء لا يقولون بقيام الحوادث به ولا تسلسلها، وإذا ألزمهم وإخوانه أن يقال: فإذا كان الفعل لم يزل والإرادة لم تزل: لزم أن يكون المفعول المراد لم يزل. وقيل لهم: فحدوث الحوادث لا بد له من سبب قالوا: هذا السؤال مشترك بيننا وبينكم، لكن عبد العزيز لم يجب بهذا الجواب، فإنه لو أجاب به لانتفضت حجته التي احتج بها على المريسي، فإنه احتج بأنه لم يزل قادرا، فلو قال "الفعل قديم" قال المريسي: إنه لم يزل فاعلا عندك. المريسي
وأيضا فعبد العزيز ذكر أنه يقدر على الفعل لا يمنعه منه مانع، وذكر غير ذلك.
التقدير الثالث: أن الفعل الذي كان عن قدرته كان قبله فعل [ ص: 278 ] آخر كان عن قدرته أيضا، وهلم جرا، ولم يكن شيء من المفعولات والمخلوقات موجودا معه في الأزل، فإن الفعل ينقسم إلى متعد ولازم ؛ فإذا قدر دوام الأفعال اللازمة لم يجب دوام الأفعال المتعدية، وعلى هذا التقدير فإذا قال: "كان الله ولما يخلق شيئا ولما يفعل شيئا" لم يزل أن لا يكون هناك فعل قائم بنفسه بدون مخلوق مفعول، ولا يجب أن يكون المخلوق لم يزل مع الله تعالى.
وهذا التقدير إن لم ينفه بالحجة لم يكن ما ألزمه لعبد العزيز لازما. المريسي