وأما فإنه سبحانه الغني عن كل شيء، فإذا قدر أن بعض لوازمه توقف على ما هو مباين له لم يكن وجوده ثابتا إلا بوجود ذلك المباين، وكان الله مفتقرا إليه، والله غني عن كل شيء. وأما إذا لم يكن الأمر من لوازم ذاته، بل كان من الأمور العارضة، فلا ريب كون الرب تعالى مفتقرا إلى شيء مباين له غني عنه، فهذا ممتنع، سواء قام بذاته أو لم يقم بذاته، ولكن هو بنفسه غني عن كل ما سواه، ولا يقال إنه نفسه غني عن نفسه، وليس في كونه مستلزما لصفاته وفاعلا لأفعاله ما يقتضي افتقاره إلى غير نفسه، فإنه إذا كان وحده مستلزما لصفاته وفاعلا لأفعاله ما يقتضي افتقاره إلى غير نفسه، فإنه إذا كان وحده مستلزما لصفاته، فاعلا لجميع أفعاله، لم يكن شيء مما وجد بغيره، بل جميع ما وجد فلا يخرج من ذاته وصفاته وأفعاله، فلا يتصور أن يكون مفتقرا إلى غير نفسه المقدسة سبحانه وتعالى. أن أهل الإيمان والسنة يقولون إن الله لا يفتقر في شيء من الأشياء إلى غيره، [ ص: 235 ] لا في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله،
ولكن المقصود أن هذا المحتج إذا قال له المعترض: ما المانع أن تكون هذه الأمور العارضة موقوفة على غير مع كون الحق واجبا بذاته؟ لم يكن فيما ذكر حجة، بل ذكر أن تلك الأمور إذا لم تكن من لوازم ذاته بحيث تكون مجرد الذات كافية فيها، وإلا لزم افتقاره إلى سبب منفصل، واللازم إنما هو افتقار تلك الأمور إلى سبب منفصل، فإن بين أن ما يقوم بالواجب يمتنع أن يكون موقوفا على سبب منفصل تمت حجته، وإلا فلا، ولا يمكن أن يقيم حجة إلا على أنه لا يقف على ما هو مستغن عن الواجب بنفسه، وهذا حق. وأما كونه لا يقف على ما هو مفتقر إلى الواجب فهذا لا يمكن إقامة الدلالة عليه.