قال: "فقلت لمخاطبي الأشعري: قد علمنا جميعا أن وليس ههنا من تتقيه وتخشى [ ص: 91 ] تشنيعه، وإنما مذهبك أن الله يفهم من شاء كلامه بلطيفة منه، حتى يصير عالما متيقنا بأن الذي فهمه كلام الله، والذي أريد أن ألزمك وارد على الفهم وروده على السماع، فدع التمويه، ودع المصانعة. ما تقول في حقيقة السماع لكلام الله منه على أصلكم محال، موسى عليه السلام حيث كلمه الله؟ أفهم كلام الله مطلقا أم مقيدا؟ فتلكأ قليلا، ثم قال: ما تريد بهذا؟ فقلت: دع إرادتي وأجب بما عندك، فأبى وقال: ما تريد بهذا؟ فقلت: أريد أنك إن قلت: إنه عليه السلام فهم كلام الله مطلقا اقتضى أن لا يكون لله كلام من الأزل إلى الأبد إلا وقد فهمه موسى، وهذا يؤول إلى الكفر، فإن الله تعالى يقول: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [ سورة البقرة: 255] ولو جاز ذلك لصار من فهم كلام الله عالما بالغيب وبما في نفس الله تعالى، وقد نفى الله تعالى ذلك بما أخبر به عن عيسى عليه السلام أنه يقول: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب [ سورة المائدة: 116]، وإذا لم يجز إطلاقه، وألجئت إلى أن تقول "أفهمه الله ما شاء من كلامه" دخلت في التبعيض الذي هربت منه، وكفرت من قال به، ويكون مخالفك أسعد منك، لأنه قال بما اقتضاه النص الوارد من قبل الله عز وجل ومن قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت أبيت أن تقبل [ ص: 92 ] ذلك، وادعيت أن الواجب المصير إلى حكم العقل في هذا الباب، وقد ردك العقل إلى موافقة النص خاسئا.
فقال: هذا يحتاج إلى تأمل، وقطع الكلام".