بأن يكون للفاعل فاعل، وللفاعل فاعل إلى ما لا نهاية له، وهذا متفق على امتناعه بين العقلاء. ولفظ التسلسل يراد به التسلسل في العلل والفاعلين والمؤثرات:
والثاني: التسلسل في الآثار: بأن يكون الحدث الثاني موقوفا على حادث قبله، وذلك الحادث موقوف على حادث قبل ذلك، وهلم جرا، فهذا في جوازه قولان مشهوران للعقلاء، وأئمة السنة والحديث ـ مع كثير من النظار أهل الكلام والفلاسفة ـ يجوزون ذلك، وكثير من النظار وغيرهم يحيلون ذلك. [ ص: 322 ]
وأما إذا قيل: لا يحدث حادث قط حتى يحدث حادث فهذا ممتنع باتفاق العقلاء وصريح العقل، وقد يسمى هذا دورا، فإنه إذا قيل: لا يحدث شيء حتى يحدث شيء كان هذا دورا، فإن وجود جنس الحادث موقوف على وجود جنس الحادث، وكونه سبحانه لم يزل مؤثرا يراد به مؤثرا في كل شيء، وهذا لا يقوله عاقل، لكنه لازم حجة الفلاسفة، ويراد به لم يزل مؤثرا في شيء بعد شيء، وهو موجب الأدلة العقلية التي توافق الأدلة السمعية.
ولما أجاب بعضهم بأن المرجح هو القدرة أو الإرادة القديمة أو العلم القديم أو إمكان الحدوث ونحو ذلك، قالوا لهم في الجواب: هذه الأمور إن لم يحدث بسببها سبب حادث لزم الترجيح بلا مرجح، وإن حدث سبب حادث، فالكلام في حدوثه كالكلام في حدوث ما حدث به.
وعدل آخرون إلى الإلزام فقالوا: هذا يقتضي أن لا يحدث في العالم حادث والحس يكذبه، فقالوا لهم: إنما يلزم هذا إذا كان التسلسل باطلا، وأنتم تقولون بإبطاله وأما نحن فلا نقول بإبطاله، زال هذا المحذور. وإذا كان الحدوث موقوفا على حوادث متجددة