فإذا قلت: الموصوف بالصفة لا يكون إلا جسما.
قالوا: والمسمى بالحي العالم القادر لا يكون إلا جسما، والمخبر عنه بأنه يعلم ويقدر لا يكون إلا جسما، والموصوف بقول القائل: هو عالم قادر لا يكون إلا جسما. فإن أمكنك أن تثبت هذا لغير جسم، أمكنهم ذلك. وإن لم يمكنهم لم يمكنك. فهذا السؤال لازم لجميع الناس كما يلزم الأشعرية وغيرهم. [ ص: 236 ]
وأيضا فهذا إلزام جدلي لا علمي. وذلك أن نفاة الجسم من أهل الكلام، كالمعتزلة والأشعرية، يقولون: إنما نفيناه للدليل الدال على حدوث الجسم، وأنت قد بينت أنه دليل باطل، ونحن أثبتنا الصفات مع ذلك.
فإذا قلت: الجمع بينهما خطأ، فإن إثبات الصفات يستلزم التجسيم.
قالوا لك: ليس خطؤنا في إثبات الصفات بأولى من خطئنا في نفي التجسيم.
بل أنت تقول: إنا مخطئون في نفي التجسيم. ولم تقم دليلا على خطئنا في نفي الصفات. فإن كنا مخطئين في نفي التجسيم عينا، لزم إثبات الصفات بلا محذور. وإن قدر الخطأ في أحدهما بغير تعيين، لم يتعين الخطأ في نفي الصفات إلا بدليل.
وأيضا فأنت تقول: إن الشرع لم يصرح بنفي التجسيم، وإن التصريح به بدعة.
فكيف تعيبنا بإثبات ما أثبته الشرع، لكونه مستلزما لإثبات ما لم ينفه الشرع؟ والشرع قد صرح بإثبات الصفات،
ومن المعلوم أن الشرع إذا أثبت شيئا له لوازم، لم يكن إثبات ذلك بدعة. وتلك اللوازم، إن كانت ثابتة في نفس الأمر، فلازم الحق حق. وإن لم تكن لازمة، فلا محذور.
فإن قيل: أنا أقيم دليلا عقليا على نفي الجسم غير دليلكم. كان لهم عن ذلك أجوبة: أحدها: أن يقولوا: فأنت قد أثبت أنه عالم قادر، فإن أمكنك مع ذلك أن تقول: إنه ليس بجسم، أمكنا أن [ ص: 237 ] نقول: عالم بعلم، قادر بقدرة، وليس بجسم. وإن لم يمكنك هذا استوينا نحن وأنت. ففي الجملة ورود هذا السؤال علينا ورود واحد.
الثاني: أن يقولوا: دليلنا على نفي الجسم أقوى من دليلك، كما بين ذلك وغيره، وبينوا أن الفلاسفة عاجزون على إقامة الدليل على أنه ليس بجسم. الغزالي
الثالث: أن يقولوا: أدلة إثبات الصفات أقوى من أدلة نفي الجسم، فإن أمكن الجمع بينهما، وإلا لم يجز نفي ما هو معلوم ثابت، خوفا من لزوم ما ليس دليل انتفائه كدليل ثبوت ذلك، فكيف إذا كانت أدلة النفي باطلة، وأدلة الإثبات للصفات ولوازمها حق لا محيد عنه؟
وأما التقسيم الذي ذكرته، فلا ريب أن أهل الإثبات لا يقولون: إن الصفات قائمة بنفسها، بل هي قائمة بالموصوف.