والتناقض هو أن يكون أحد الدليلين يناقض مدلول الآخر: إما بأن ينفي أحدهما عين ما يثبته الآخر، وهذا هو التناقض الخاص الذي يذكره أهل الكلام والمنطق، وهو اختلاف قضيتين بالسلب والإيجاب على وجه يلزم من صدق
[ ص: 274 ] إحداهما كذب الأخرى.
وأما التناقض لمطلق فهو أن يكون موجب أحد الدليلين ينافي موجب الآخر: إما بنفسه، وإما بلازمه، مثل أن ينفي أحدهما لازم الآخر أو يثبت ملزومه، فإن انتفاء لازم الشيء يقتضي انتفاءه، وثبوت ملزومه يقتضي ثبوته.
ومن هذا الباب الحكم على الشيئين المتماثلين من كل وجه مؤثر في الحكم بحكمين مختلفين، فإن هذا تناقض أيضا، إذ حكم الشيء حكم مثله، فإذا حكم على مثله بنقيض حكمه كان كما لو حكم عليه بنقيض حكمه.
وهذا التناقض العام هو الاختلاف الذي نفاه الله تعالى عن كتابه بقوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء: 82] ، وهو الاختلاف الذي وصف الله به قول الكفار في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=8إنكم لفي قول مختلف nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=9يؤفك عنه من أفك [الذاريات: 8-9] .
وضد هذا هو التشابه العام الذي وصف الله به القرآن في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني [الزمر: 23] ، وهذا ليس هو التشابه الخاص الذي وصف الله تعالى به القرآن في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات [آل عمران: 7] ، فإن ذلك التشابه العام يراد به التناسب والتصادق والائتلاف.
وضده: الاختلاف الذي هو التناقض والتعارض، فالأدلة الدالة على العلم لا يجوز أن تكون متناقضة متعارضة، وهذا مما لا ينازع فيه أحد من العقلاء،
[ ص: 275 ] nindex.php?page=treesubj&link=29615ومن صار من أهل الكلام إلى القول بتكافؤ الأدلة والحيرة فإنما ذلك لفساد استدلاله إما لتقصيره، وإما لفساد دليله، ومن أعظم أسباب ذلك الألفاظ المجملة التي تشتبه معانيها.
وَالتَّنَاقُضُ هُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ يُنَاقِضُ مَدْلُولَ الْآخَرِ: إِمَّا بِأَنْ يَنْفِيَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَا يُثْبِتُهُ الْآخَرُ، وَهَذَا هُوَ التَّنَاقُضُ الْخَاصُّ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْكَلَامِ وَالْمَنْطِقِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ قَضِيَّتَيْنِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ
[ ص: 274 ] إِحْدَاهُمَا كَذِبُ الْأُخْرَى.
وَأَمَّا التَّنَاقُضُ لِمُطْلَقٍ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ يُنَافِي مُوجَبَ الْآخَرِ: إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِلَازِمِهِ، مِثْلُ أَنْ يَنْفِيَ أَحَدُهُمَا لَازِمَ الْآخَرِ أَوْ يُثْبِتَ مَلْزُومَهُ، فَإِنَّ انْتِفَاءَ لَازِمِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَهُ، وَثُبُوتَ مَلْزُومِهِ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْئَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ أَيْضًا، إِذْ حُكْمُ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، فَإِذَا حُكِمَ عَلَى مِثْلِهِ بِنَقِيضِ حُكْمِهِ كَانَ كَمَا لَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِنَقِيضِ حُكْمِهِ.
وَهَذَا التَّنَاقُضُ الْعَامُّ هُوَ الِاخْتِلَافُ الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النِّسَاءِ: 82] ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَ الْكُفَّارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=8إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=9يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذَّارِيَاتِ: 8-9] .
وَضِدُّ هَذَا هُوَ التَّشَابُهُ الْعَامُّ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْقُرْآنَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزُّمَرِ: 23] ، وَهَذَا لَيْسَ هُوَ التَّشَابُهَ الْخَاصَّ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْقُرْآنَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آلِ عِمْرَانَ: 7] ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّشَابُهَ الْعَامَّ يُرَادُ بِهِ التَّنَاسُبَ وَالتَّصَادُقَ وَالِائْتِلَافَ.
وَضِدُّهُ: الِاخْتِلَافُ الَّذِي هُوَ التَّنَاقُضُ وَالتَّعَارُضُ، فَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَنَاقِضَةً مُتَعَارِضَةً، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ،
[ ص: 275 ] nindex.php?page=treesubj&link=29615وَمَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ إِلَى الْقَوْلِ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَالْحَيْرَةِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِفَسَادِ اسْتِدْلَالِهِ إِمَّا لِتَقْصِيرِهِ، وَإِمَّا لِفَسَادِ دَلِيلِهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الْمُجْمَلَةُ الَّتِي تَشْتَبِهُ مَعَانِيهَا.