وأما احتجاج إسحاق رحمه الله، بقول أبي هريرة: فطرت الله التي فطر الناس عليها [سورة الروم:30]، قال اقرءوا إن شئتم: إسحاق: نقول: لا تبديل للخلقة التي جبل عليها. فهذه الآية فيها قولان:
أحدهما: أن معناها النهي، كما تقدم عن أنه فسرها بالنهي، أي: ابن جرير وهذا قول غير واحد من المفسرين الذين لم يذكروا غيره لا تبدلوا دين الله الذي فطر عليه عباده، كالثعلبي والزمخشري.
والثاني: ما قاله إسحاق: وهو أنه خبر على ظاهرها، وأن خلق الله [ ص: 425 ] لا يبدله أحد. وظاهر اللفظ أنه خبر فلا يجعل نهيا بغير حجة، وهذا أصح.
وحينئذ فيقال: المراد ما خلقهم عليه من الفطرة لا تبدل، فلا يخلقون على غير الفطرة، لا يقع هذا قط. والمعنى أن الخلق لا يتبدل فيخلقون على غير الفطرة، ولم يرد بذلك أن الفطرة لا تتغير بعد الخلق، بل نفس الحديث يبين أنها تتغير، ولهذا شبهها بالبهيمة التي تولد جمعاء ثم تجدع، ولا تولد بهيمة قط مخصية ولا مجدوعة.
وقد قال تعالى عن الشيطان: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله [سورة النساء:119]، فالله أقدر الخلق على أن يغيروا ما خلقهم عليه بقدرته ومشيئته.
وأما تبديل الخلق، بأن يخلقوا على غير تلك الفطرة، فهذا لا يقدر عليها إلا الله، والله لا يفعله، كما قال: لا تبديل لخلق الله [سورة الروم:30]، ولم يقل: لا تغيير، فإن تبديل الشيء يكون بذهابه وحصول بدله، فلا يكون خلق بدل هذا الخلق، ولكن إذا غير بعد وجوده، لم يكن الخلق الموجود عند الولادة قد حصل بدله.
وأما قول القائل: لا تبديل للخلقة التي جبل عليه ولد آدم كلهم من كفر وإيمان، فإن عنى بها أن ما سبق به القدر من الكفر والإيمان لا يقع خلافه، فهذا حق. ولكن ذلك لا يقتضي أن تبديل الكفر بالإيمان وبالعكس ممتنع، ولا أنه غير مقدور، بل العبد قادر على ما أمره الله به [ ص: 426 ] من الإيمان، وعلى ترك ما نهاه عنه من الكفر، وعلى أن يبدل حسناته بالسيئات بالتوبة، كما قال تعالى: إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم [سورة النمل:10-11].
و فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات [سورة الفرقان:70].