[ ص: 232 ] وأما إذا كان الكلام مع من قد يتقيد بالشريعة، فإنه يقال له: إطلاق هذه الألفاظ نفيا وإثباتا بدعة، وفي كل منهما تلبيس وإيهام، فلا بد من الاستفسار والاستفصال، أو الامتناع عن إطلاق كلا الأمرين في النفي والإثبات.
وقد ظن طائفة من الناس أن كقول ذم السلف والأئمة للكلام وأهل الكلام من طلب العلم بالكلام تزندق، وقول أبي يوسف: حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام، وقوله: لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما كنت أظنه، ولأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله، خير له من أن يبتلى بالكلام، وقول الشافعي: ما ارتدى أحد الكلام فأفلح، وقل أحد نظر في الكلام إلا كان في قلبه غل على أهل الإسلام، وأمثال هذه الأقوال المعروفة عن الأئمة ـ ظن بعض الناس أنهم إنما ذموا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المحدثة، كلفظ الجوهر والجسم والعرض، وقالوا: إن مثل هذا لا يقتضي الذم، كما لو أحدث الناس آنية يحتاجون إليها، أو سلاحا يحتاجون إليه لمقاتلة العدو، وقد ذكر هذا صاحب الإحياء وغيره. الإمام أحمد:
وليس الأمر كذلك، بل فذموه لاشتماله على معان باطلة مخالفة للكتاب والسنة ومخالفته للعقل [ ص: 233 ] الصريح، ولكن علامة بطلانها مخالفتها للكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل قطعا. ذمهم للكلام لفساد معناه أعظم من ذمهم لحدوث ألفاظه،
ثم من الناس من قد يعلم بطلانه بعقله، ومنهم من لا يعلم ذلك.