وأما قولهم: إن الله أوجب العلم به، فنعم.
وأما فهذا هو الدعوى الكاذبة التي أبطلناها آنفا. وأول بطلانها أنه دعوى بلا برهان) . قولهم: والعلم لا يكون إلا عن استدلال،
قال: (فسقط قولهم إذ تعرى من البرهان، وكان دعوى منهم مفتراة لم يأت بها نص قط ولا إجماع. قال: ونحن ذاكرون البراهين على بطلان قولهم. يقال لمن قال: لا يكون مسلما إلا من [ ص: 418 ] استدل: أخبرنا: متى يجب عليه فرض الاستدلال؟ أقبل البلوغ أو بعده؟ فأما فإنه أجاب بأن ذلك واجب قبل البلوغ. قال الطبري. وهذا خطأ، لأن من لم يبلغ ليس مكلفا ولا مخاطبا) . ابن حزم:
قال: وأما الأشعرية فإنهم أتوا بما يملإ الفم، وتقشعر منها جلود أهل الإسلام، وتصطك منه المسامع، ويقطع ما بين قائلها وبين الله، وهو أنهم قالوا: لا يلزم طلب الأدلة إلا بعد البلوغ. ولم يقنعوا بهذه الجملة حتى كفونا المؤونة، وصرحوا بما كنا نريد أن نلزمهم، فقالوا غير مساترين: لا يصح إسلام أحد بأن يكون بعد بلوغه شاكا غير مصدق. قال: وما سمعنا قط في الكفر والانسلاخ من الإسلام بأشنع من قول هؤلاء القوم: إنه لا يكون أحد مسلما حتى يشك في الله عز وجل، وفي صحة النبوة، وفي هل رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق أو كاذب؟ ولا سمع قط سامع في الهوس [ ص: 419 ] والمناقضة والاستخفاف بالحقائق بأقبح من قول هؤلاء: إنه لا يصح الإيمان إلا بالكفر، ولا يصح التصديق إلا بالجحد، ولا يوصل إلى رضا الله عز وجل إلا بالشك فيه، وأن من اعتقد موقنا بقلبه ولسانه أن الله ربه لا إله إلا هو، وأن محمدا رسول الله، وأن دين الإسلام دين الله الذي لا دين غيره - فإنه كافر مشرك، نعوذ بالله من الخذلان. فوالله لولا خذلان الله - الذي هو غالب على أمره - ما انطلق لسان ذي مسكة بهذه العظيمة) .