ولما كان الطريق إلى الحق هو السمع والعقل، وهما متلازمان، كان من سلك الطريق العقلي دله على الطريق السمعي، وهو صدق الرسول، ومن سلك الطريق السمعي بين له الأدلة العقلية، كما بين ذلك القرآن، وكان الشقي المعذب من لم يسلك لا هذا ولا هذا.
كما قال أهل النار:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [سورة تبارك: 10].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [سورة الحج: 46].
ولهذا نفى سبحانه عن الشرك الطريق السمعي والعقلي،
nindex.php?page=treesubj&link=28666_29437ونفى شرك الإلهية والربوبية في مثل قوله:
[ ص: 395 ] nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=4قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين [سورة الأحقاف: 4]، فطالبهم أولا بالطريق العقلي، وثانيا بالطريق السمعي.
ونظيره قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا [سورة فاطر: 40]، وهذا باب واسع قد بسط الكلام فيه في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا التنبيه اللطيف على بعض ما في القرآن من تقرير المعاد ونفي الولد والشريك، إذ كان هذا فصلا معترضا في هذا المقام.
فقد تبين أن جمهور النظار من جميع الطوائف يجوزون أن تحصل المعرفة بالصانع بطريق الضرورة، كما هو قول
الكلابية والأشعرية، وهو مقتضى قول
الكرامية والضرارية والنجارية والجهمية وغيرهم، وهو قول طوائف أهل السنة، من أهل الحديث والفقهاء وغيرهم، كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهم.
وإنما ينازع في ذلك من ينازع من
القدرية كالمعتزلة ونحوهم، مع أنهم متنازعون في ذلك، بل كثير من أهل الكلام، بل
[ ص: 396 ] وجمهور العلماء، يقولون: إن الإقرار بالصانع حاصل لعامة الخلق بطريق الضرورة.
وَلَمَّا كَانَ الطَّرِيقُ إِلَى الْحَقِّ هُوَ السَّمْعَ وَالْعَقْلَ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، كَانَ مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْعَقْلِيَّ دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ السَّمْعِيِّ، وَهُوَ صِدْقُ الرَّسُولِ، وَمَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ السَّمْعِيَّ بَيَّنَ لَهُ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْقُرْآنُ، وَكَانَ الشَّقِيُّ الْمُعَذَّبُ مَنْ لَمْ يَسْلُكْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا.
كَمَا قَالَ أَهْلُ النَّارِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [سُورَةَ تَبَارَكَ: 10].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [سُورَةَ الْحَجِّ: 46].
وَلِهَذَا نَفَى سُبْحَانَهُ عَنِ الشِّرْكِ الطَّرِيقَ السَّمْعِيَّ وَالْعَقْلِيَّ،
nindex.php?page=treesubj&link=28666_29437وَنَفَى شِرْكَ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ:
[ ص: 395 ] nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=4قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [سُورَةَ الْأَحْقَافِ: 4]، فَطَالَبَهُمْ أَوَّلًا بِالطَّرِيقِ الْعَقْلِيِّ، وَثَانِيًا بِالطَّرِيقِ السَّمْعِيِّ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا [سُورَةَ فَاطِرٍ: 40]، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ اللَّطِيفُ عَلَى بَعْضِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَقْرِيرِ الْمَعَادِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ، إِذْ كَانَ هَذَا فَصْلًا مُعْتَرِضًا فِي هَذَا الْمَقَامِ.
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ جُمْهُورَ النُّظَّارِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ يُجَوِّزُونَ أَنْ تَحْصُلَ الْمَعْرِفَةُ بِالصَّانِعِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ
الْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ
الْكَرَّامِيَّةِ وَالضِّرَارِيَّةِ وَالنَّجَّارِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ، مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.
وَإِنَّمَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ مَنْ يُنَازِعُ مِنَ
الْقَدَرِيَّةِ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي ذَلِكَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، بَلْ
[ ص: 396 ] وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِقْرَارَ بِالصَّانِعِ حَاصِلٌ لِعَامَّةِ الْخَلْقِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ.