فهذا الذي وصفه
nindex.php?page=showalam&ids=14228الشيخ أبو سليمان الخطابي هو
nindex.php?page=treesubj&link=29615حال أهل الكلام، الذين يعارضون الكتاب والسنة بعقلهم، فيتأولون الكتاب على غير تأويله، ويردون الحديث بما يمكنهم، مثل زعمهم أنه خبر واحد، وإن كان من المستفيضات المتلقاة بالقبول، و [مثل] غير ذلك من وجوه الرد، لأن الأصول التي بنوا عليها دينهم تناقض منصوص الكتاب والسنة، كطريقة الأعراض والتركيب والاختصاص، ونحو ذلك مما تقدم.
وهم فيما خاضوا فيه من العقليات المعارضة للنصوص، في حيرة وشبهة وشك، من كان منهم فاضلا ذكيا قد عرف نهايات أقدامهم كان في حيرة وشك، ومن كان منهم لم يصل إلى الغاية كان مقلدا لهؤلاء، فهو يدع تقليد النبي المعصوم وإجماع المؤمنين المعصوم، ويقلد رؤوس الكلام المخالف للكتاب والسنة، الذين هم في شك وحيرة، ولهذا لا يوجد أحد من هؤلاء إلا وهو: إما حائر شاك، وإما متناقض يقول قولا ويقول ما يناقضه، فيلزم بطلان أحد القولين أو كلاهما، لا يخرجون عن الجهل البسيط مع كثرة النظر والكلام، أو عن
[ ص: 284 ] الجهل المركب الذي هو ظنون كاذبة، وعقائد غير مطابقة، وإن كانوا يسمون ذلك براهين عقلية، وأدلة يقينية، فهم أنفسهم ونظراؤهم يقدحون فيها، ويبينون أنها شبهات فاسدة، وحجج عن الحق حائدة.
وهذا الأمر يعرفه كل من كان خبيرا بحال هؤلاء، بخلاف أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المتبعين له، فإنهم ينكشف لهم أن ما جاء به الرسول، هو الموافق لصريح المعقول، وهو الحق الذي لا اختلاف فيه ولا تناقض.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [سورة النساء: 82].
فهؤلاء مثل نور الله في قلوبهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم [سورة النور: 35]: نور الإيمان، ونور القرآن، نور صريح المعقول، ونور صحيح المنقول.
كما قال بعض السلف: يكاد المؤمن ينطق بالحكمة وإن لم يسمع فيها بأثر، فإذا جاء الأثر كان نورا على نور.
[ ص: 285 ]
وقال غير واحد من الصحابة -
nindex.php?page=showalam&ids=401كجندب بن عبد الله، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر: - تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانا.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور [سورة الشورى: 52 ، 53] وأما أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فهم: إما في الجهل البسيط، وإما في الجهل المركب، كالكفار، فالأولون:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [سورة النور: 40].
والآخرون:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب [سورة النور: 39].
فأهل الجهل والكفر البسيط لا يعرفون الحق ولا ينصرونه، وأهل الجهل والكفر المركب يعتقدون أنهم عرفوا وعلموا، والذي معهم ليس بعلم بل جهل.
[ ص: 286 ]
فَهَذَا الَّذِي وَصَفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14228الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29615حَالُ أَهْلِ الْكَلَامِ، الَّذِينَ يُعَارِضُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِعَقْلِهِمْ، فَيَتَأَوَّلُونَ الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وَيَرُدُّونَ الْحَدِيثَ بِمَا يُمْكِنُهُمْ، مِثْلَ زَعْمِهِمْ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُسْتَفِيضَاتِ الْمُتَلَقَّاةِ بِالْقَبُولِ، وَ [مِثْلَ] غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الرَّدِّ، لِأَنَّ الْأُصُولَ الَّتِي بَنَوْا عَلَيْهَا دِينَهُمْ تُنَاقِضُ مَنْصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَطَرِيقَةِ الْأَعْرَاضِ وَالتَّرْكِيبِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَهُمْ فِيمَا خَاضُوا فِيهِ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ الْمُعَارِضَةِ لِلنُّصُوصِ، فِي حَيْرَةٍ وَشُبْهَةِ وَشَكِّ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فَاضِلًا ذَكِيًّا قَدْ عَرَفَ نِهَايَاتِ أَقْدَامِهِمْ كَانَ فِي حَيْرَةٍ وَشَكٍّ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَايَةِ كَانَ مُقَلِّدًا لِهَؤُلَاءِ، فَهُوَ يَدَعُ تَقْلِيدَ النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ وَإِجْمَاعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَعْصُومَ، وَيُقَلِّدُ رُؤُوسَ الْكَلَامِ الْمُخَالِفِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الَّذِينَ هُمْ فِي شَكٍّ وَحَيْرَةٍ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا وَهُوَ: إِمَّا حَائِرٌ شَاكٌّ، وَإِمَّا مُتَنَاقِضٌ يَقُولُ قَوْلًا وَيَقُولُ مَا يُنَاقِضُهُ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا، لَا يَخْرُجُونَ عَنِ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ مَعَ كَثْرَةِ النَّظَرِ وَالْكَلَامِ، أَوْ عَنِ
[ ص: 284 ] الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ الَّذِي هُوَ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ، وَعَقَائِدُ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ، وَإِنْ كَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ بَرَاهِينَ عَقْلِيَّةً، وَأَدِلَّةً يَقِينِيَّةً، فَهُمْ أَنْفُسُهُمْ وَنُظَرَاؤُهُمْ يَقْدَحُونَ فِيهَا، وَيُبَيِّنُونَ أَنَّهَا شُبُهَاتٌ فَاسِدَةٌ، وَحُجَجٌ عَنِ الْحَقِّ حَائِدَةٌ.
وَهَذَا الْأَمْرُ يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ كَانَ خَبِيرًا بِحَالِ هَؤُلَاءِ، بِخِلَافِ أَتْبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ، فَإِنَّهُمْ يَنْكَشِفُ لَهُمْ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، هُوَ الْمُوَافِقُ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَنَاقُضَ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [سُورَةَ النِّسَاءِ: 82].
فَهَؤُلَاءِ مِثْلُ نُورِ اللَّهِ فِي قُلُوبِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٌ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مِنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سُورَةَ النُّورِ: 35]: نُورُ الْإِيمَانِ، وَنُورُ الْقُرْآنِ، نُورُ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَنُورُ صَحِيحِ الْمَنْقُولِ.
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَكَادُ الْمُؤْمِنُ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا بِأَثَرٍ، فَإِذَا جَاءَ الْأَثَرُ كَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ.
[ ص: 285 ]
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ -
nindex.php?page=showalam&ids=401كَجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، nindex.php?page=showalam&ids=12وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: - تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا إِيمَانًا.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مِنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ [سُورَةَ الشُّورَى: 52 ، 53] وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُمْ: إِمَّا فِي الْجَهْلِ الْبَسِيطِ، وَإِمَّا فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ، كَالْكُفَّارِ، فَالْأَوَّلُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [سُورَةَ النُّورِ: 40].
وَالْآخَرُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [سُورَةَ النُّورِ: 39].
فَأَهْلُ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ الْبَسِيطِ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَلَا يَنْصُرُونَهُ، وَأَهْلُ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ الْمُرَكَّبِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا وَعَلِمُوا، وَالَّذِي مَعَهُمْ لَيْسَ بِعِلْمٍ بَلْ جَهْلٍ.
[ ص: 286 ]