وهذه الشبه - الجهمية - هي في الأصل نشأت من ملاحدة [ ص: 73 ] الأمم المنكرين للصانع، وهؤلاء أجهل الطوائف وأقلهم عقلا، فلهذا لم تكن العرب تعارض بمثل هذه الشبه، وإنما ذكر الله تعالى نظير قول شبه الجهمية عن مثل فرعون وأمثاله من المعطلة، كالذي حاج إبراهيم في ربه.
ولا ريب أن المعطلة شر من المشركين، والعرب، وإن كانوا مشركين، لم يكن الظاهر فيهم التعطيل للصانع، وإن كان قد يكون في أضعافهم من هو من المرتابين في الصانع أو الجاحدين له، كما في تضاعيف كل أمة، حتى في المصلين من هو من هؤلاء، إذ المنافقون لم يزالوا في الأمة ولم يزالوا على اختلاف أصنافهم.
وإذا عرف أن المقصود بيان فساد قول من يزعم أنه لا يمكن تصديق الرسول إلا بالطريق الجهمية، المناقضة لإثبات ما أخبر به من صفات الله وكلامه وأفعاله، حصل المقصود.
وأما من قال: إن هذه المعقولات تعارض المفهوم الظاهر من الآيات والأحاديث، من غير أن يقول: إن العلم بصدق الرسول موقوف عليها، كما يقول من يعتقد صحة هذه الطريق: طريقة الاستدلال على الصانع بحدوث الأعراض وتركيب الأجسام، وإن قال إنه يمكن تصديق الرسول بدونها، كما يقول نفسه، وكثير من أصحابه، الأشعري والرازي وأمثاله، وكثير من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية، يوجد شيء من هذا في كلام المحاسبي، وأبي حاتم البستي، والخطابي، وأبي الحسن التميمي، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وغير هؤلاء - فإن هؤلاء وجمهور المسلمين يقولون: إنه [ ص: 74 ] وابن الزاغوني، يمكن تصديق الرسل بدون طريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام.
لكن هؤلاء وغيرهم يعتقدون صحة تلك الطريق، وإن قالوا: إن تصديق الرسل لا يتوقف عليها.
ثم منهم من يقول: إنها لا تعارض النصوص، بل يمكن الجمع بينهما.
وهذه طريقة الأشعري مع اعتقادهم صحة طريقة الاستدلال بحدوث الأعراض وتركيب الأجسام. وأئمة الصحابة: يثبتون الصفات الخبرية التي جاء بها القرآن،
وهذه طريقة أبي حاتم بن حبان البستي، والتميميين: وأبي سليمان الخطابي، كأبي الحسن التميمي وغيره من أهل بيته، وأبي علي بن أبي موسى، والقاضي أبي يعلى، وأبي بكر البيهقي، وخلق كثير من طوائف المسلمين من وابن الزاغوني، الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.