الوجه الثالث: أن يقال: ما من طائفة من طوائف الكلام والفلسفة إلا وجمهور الناس يقولون: إنهم جحدوا العلوم الضرورية.
فالقائلون بأن الممكن قد يترجح أحد طرفيه بلا مرجح من القادر أو غيره، يقول جمهور العقلاء: إنهم جحدوا العلوم الضرورية.
والقائلون بأن الأجسام لا تبقى والأعراض لا تبقى، يقول جمهور الناس: إنهم جحدوا العلوم الضرورية.
والقائلون بأن الأصوات المتعاقبة تكون قديمة أزلية الأعيان باقية، وأن الأصوات المسموعة من الآدميين هي قديمة، يقول جمهور العقلاء: إنهم خالفوا العلم الضروري.
والقائلون بأن الكلام هو معنى واحد: هو الأمر بكل ما أمر به، والخبر عن كل ما أخبر به، وأنه إن عبر عنه بالعربية كان هو القرآن، وإن عبر عنه بالعبرية كان هو التوراة، يقول جمهور العقلاء: إنهم جحدوا العلم الضروري.
والقائلون بأن العالم هو العلم والمعلوم، والعاقل هو العقل والمعقول، والعاشق هو العشق والمعشوق، واللذة هي الملتذ، والعلم هو القدرة، والقدرة هي الإرادة، يقول جمهور العقلاء: إنهم خالفوا العلوم الضرورية.
[ ص: 269 ] والقائلون بأن الوجود الواجب وجود مطلق بشرط الإطلاق أو لا بشرط، يقول جمهور العقلاء: إنهم خالفوا العلوم الضرورية.
والقائلون بأن النفس لا تدرك إلا الكليات دون الجزئيات، يقول جمهور العقلاء: إنهم خالفوا العلم الضروري.
والقائلون بأن كل موجود يجوز أن تتعلق به الإدراكات الخمسة، وأن الصوت يرى، والطعم يسمع، واللون يشم، يقول جمهور العقلاء: إنهم خالفوا العلم الضروري.
والقائلون بأنه يحدث إرادة لا في محل، أو يحدث فناء لا في محل، يقول جمهور العقلاء: إن فساد قولهم هذا معلوم بالضرورة.
والقائلون بأن الإرادة تحدث في الإنسان من غير سبب يوجب حدوثها، مما يقول جمهور العقلاء: إن فساد قولهم معلوم بالضرورة.
والقائلون بأنه حي عليم قدير، من غير حياة ولا علم ولا قدرة، مما يقول جمهور العقلاء: إن فساد قولهم معلوم بالضرورة.
والقائلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على بالخلافة نصا جليا أشاعه بين المسلمين، فكتموه ولم يظهروه، يقول جمهور العقلاء: إن قولهم معلوم الفساد بالضرورة. علي
والقائلون بأن للأمة إماما معصوما عمره سنتان -أو ثلاث أو أربع- دخل السرداب من أكثر من أربعمائة سنة، أو أن لم يمت، [ ص: 270 ] وأمثال ذلك، يقول جمهور الناس: إن قولهم معلوم الفساد بالضرورة. عليا