قوله عز وجل:
ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون
قوله تعالى: ولا يملك الذين الآية مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، و"الذين": هم المعبودون، والضمير في: "يدعون" هو للكفار الذين عبدوا غير الله تعالى، فأعلم تعالى أن كل من عبد من دون الله فإنه لا يملك شفاعة عند الله يوم القيامة، وقرأ الجمهور: "يدعون" بالياء من تحت. وقرأ : "تدعون" بالتاء من فوق، ثم استثنى تعالى من هذه الأخبار، واختلف الناس في المستثنى، فقال ابن وثاب : استثنى ممن عبد من [ ص: 567 ] دون الله: قتادة عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام ، والمعنى: فإنهم يملكون شفاعة بأن يمكنهم الله تعالى إياهم، إذ هم ممن شهد بالحق وهم يعلمون في كل أحوالهم، فالاستثناء -على هذا التأويل- متصل، وقال وغيره: استثنى من في المشفوع فيهم، كأنه قال: لا يشفع هؤلاء الملائكة مجاهد وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق وهم يعلمون بالتوحيد، فالاستثناء -على هذا التأويل- منفصل، كأنه تعالى قال: لكن من شهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء، والتأويل الأول أصوب، والله تعالى أعلم.
ثم أظهر تعالى عليهم الحجة من أقوالهم وإقرارهم بأن الله تعالى هو خالقهم وموجدهم بعد العدم، ثم وقفهم -على جهة التقرير والتوبيخ- بقوله: فأنى يؤفكون ، :أي فلأي جهة يصرفون؟ وقرأ جمهور القراء: "وقيله يا رب" بالنصب، وهو مصدر كالقول، والضمير فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحكى قولا أنه مكي لعيسى عليه السلام، وهو ضعيف، واختلف الناس في الناصب له، فقالت فرقة: هو معطوف على قوله تعالى: سرهم ونجواهم ، وقالت فرقة: العامل فيه "يكتبون"، أي: أقوالهم وأفعالهم وقيله. وقالت فرقة: الناصب له ما في قوله تعالى: وعنده علم الساعة من قوة الفعل، أي: ويعلم قيله، ونزل قوله تعالى: وقيله يا رب بمنزلة: وشكوى محمد عليه الصلاة والسلام واستغاثته من كفرهم وعتوهم. وقرأ ، عاصم ، وحمزة ، وابن وثاب : و "قيله يا رب" بالخفض عطفا على "الساعة". وقرأ والأعمش ، الأعرج وأبو قلابة، : "وقيله يا رب" بالرفع على الابتداء، والخبر في قوله: ومجاهد يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون أي: قيله هذا القول، أو يكون التقدير: وقيله يا رب مسموع ومتقبل، فـ "يا رب" -على هذا- منصوب الموضع بـ "قيله"، وقرأ : "يا رب" بفتح الباء المشددة، وأراد: يا ربا، على لغة من يقول: يا غلاما، ثم حذف الألف تخفيفا واتباعا لخط المصحف. أبو قلابة
وقوله تعالى: فاصفح عنهم موادعة منسوخة بآيات السيف، وقوله تعالى: "سلام" [ ص: 568 ] تقديره: وقل أمري سلام، أي: مسالمة، وقالت فرقة: المعنى: وقل سلام عليكم، على جهة الموادعة والملاينة، والنسخ قد أتى على هذا السلام، سواء كان تحية أو عبارة عن الموادعة، وقرأ جمهور القراء: "يعلمون" بالياء. وقرأ ، نافع ، -في رواية وابن عامر هشام عنه- ، والحسن ، والأعرج : "تعلمون" بالتاء من فوق. وأبو جعفر
كمل تفسير سورة الزخرف والحمد لله رب العالمين