فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون
روي في الحديث أن الله تعالى أمر خزنة الريح، ففتحوا على عاد منها مقدار حلقة الخاتم، ولو فتحوا مقدار منخر الثور، لهلكت الدنيا، وروي أن الريح كانت ترفع العير بأوقارها [ ص: 471 ] فتطيرها، حتى تطرحها في البحر، وقال ، جابر بن عبد الله والتيمي: حبس عنهم المطر ثلاثة أعوام، وإذا أراد الله بقوم شرا، حبس عنهم المطر، وأرسل عليهم الريح. واختلف الناس في الصرصر، فقال ، قتادة ، والسدي : هو مأخوذ من الصر وهو البرد، والمعنى: ريحا باردة لها صوت، وقال والضحاك : صرصر: شديدة السموم عليهم، وقال مجاهد وجماعة من المفسرين: هو من صرصر إذا صوت صوتا يشبه الصاد والراء، وكذلك يجيء صوت الريح في كثير من الأوقات بحسب ما تلقى. الطبري
وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والأعرج والنخعي : "نحسات" بسكون الحاء، وهو جمع نحس، يقال: يوم نحس وقوم نحس، فهو مصدر يوصف به أحيانا ويضاف إليه "اليوم" أحيانا، وعلى الصفة به جمع في هذه الآية، واحتج وعيسى لهذه القراءة بقوله تعالى: أبو عمرو يوم نحس مستمر ، وقال : نحسات وليست بنحسات بكسر الحاء، وقرأ الباقون، النخعي ، وأبو جعفر وشيبة ، ، وأبو رجاء ، وقتادة والجحدري، : "نحسات" بكسر الحاء، وهي جمع لنحس على وزن حذر، فهو صفة لليوم مأخوذ من النحس، وقال والأعمش : نحس ونحس لغتان. الطبري
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وليس كذلك، بل اللغة الواحدة تجمعهما، أحدهما مصدر والآخر من أمثلة اسم الفاعل، وأنشد : الفراء
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم ... طيا وبهراء قوم نصرهم نحس
[ ص: 472 ] وقالت فرقة: إن "نحسات" بالسكون مخففة من "نحسات" بالكسر، والمعنى في هذه اللفظة: مشائيم، من النحس المعروف، قاله ، مجاهد ، وقتادة . وقال والسدي : معناه: شديدة، أي شديدة البرد حتى كان البرد عذابا لهم، قال الضحاك : وأنشد أبو علي في النحس بمعنى البرد: الأصمعي
كأن سلافة عرضت لنحس ... يحيل شفيفها الماء الزلالا
وقال رضي الله عنهما: "نحسات" معناه: متتابعات، وكانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء. ابن عباس
و"عذاب الخزي في الدنيا": الهلاك بسبب الكفر ومخالفة أمر الله تعالى، ولا خزي أعظم من هذا، إلا ما في الآخرة من الخلود في النار.
وقرأ جمهور الناس: "وأما ثمود" بغير صرف، وهذا على إرادة القبيلة، وقرأ ، يحيى بن وثاب ، والأعمش وبكر بن حبيب: "وأما ثمود" بالتنوين والإجراء، وهذا على إرادة الحي، وبالصرف كان ، الأعمش يقرءان في جميع القرآن، إلا في قوله تعالى: ويحيى بن وثاب وآتينا ثمود الناقة لأنه في المصحف بغير ألف. وقرأ ابن أبي إسحاق ، - بخلاف - والأعرج ، والأعمش : "ثمود" بالنصب، وهذا على إضمار فعل يدل عليه قوله تعالى: وعاصم فهديناهم ، وتقديره عند : مهما يكن من شيء فهدينا ثمود هديناهم، والرفع عنده أوجه، وروي عن سيبويه ابن أبي إسحاق ، [ ص: 473 ] : (ثمودا) منونة منصوبة، وروى والأعمش الفضل عن الوجهين. عاصم
وقوله تعالى: [فهديناهم] معناه: بينا لهم، قاله ، ابن عباس ، وقتادة ، والسدي . وابن زيد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد، وهذا كما هي الآن شريعة الإسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين بنا، ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالضد، فذلك استحباب العمى على الهدى. وقوله تعالى: فاستحبوا العمى على الهدى عبارة عن تكسبهم في العمى، وإلا فهو بالاختراع لله تعالى، ويدلك على أنها إشارة إلى تكسبهم قوله تعالى: بما كانوا يكسبون . وقوله تعالى: العذاب الهون وصف بالمصدر، والمعنى: الذي معه هوان وإذلال، ثم قرن تعالى بذكرهم ذكر من آمن واتقى ونجا به ليبين الفرق.