قوله عز وجل:
فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون
الضمير في [جاءتهم] عائد على الأمم المذكورين، الذين جعلوا مثلا وعبرة، [ ص: 460 ] واختلف المفسرون في الضمير في "فرحوا" على من يعود؟ فقال وغيره: هو عائد على الأمم المذكورين، أي: بما عندهم من العلم في ظنهم ومعتقدهم من أنهم لا يبعثون، ولا يحاسبون، قال مجاهد : اغتروا بعلمهم في الدنيا والمعايش، وظنوا أنه لا آخرة ففرحوا، وهذا كقوله تعالى: ابن زيد يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وقالت فرقة: الضمير في فرحوا عائد على الرسل، وفي هذا التأويل حذف وتقديره: كذبوهم، ففرحوا - أي: الرسل - بما عندهم من العلم بالله والثقة به وبأنه سينصرهم.
و"حاق" معناه: نزل وثبت، وهي مستعملة في الشر، و"ما" في قوله تعالى: و"ما" في قوله تعالى: ما كانوا به هو العذاب، الذي كانوا يكذبون به ويستهزئون بأمره، والضمير في "بهم" عائد على الكفار بلا خلاف.
ثم حكى حالة بعضهم ممن آمن بعد تلبس العذاب بهم، فلم ينفعهم ذلك، وفي ذكر هذا حض للعرب على المبادرة، وتخويف من التأني، لئلا يدركهم عذاب لا تنفعهم توبة بعد تلبسه بهم، وأما قصة قوميونس عليه السلام، فقد رأوا العذاب ولم يكن تلبس بهم، وقد مر تفسيرها مستقصى في سورة يونس عليه السلام. و"سنة" نصب على المصدر، و"خلت" معناه: مضت واستمرت وصارت عادة. وقوله تعالى: "هنالك" إشارة إلى أوقات العذاب، أي ظهر خسرانهم وحضر جزاء كفرهم.
كمل تفسير سورة (غافر) والحمد لله رب العالمين