أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة [ ص: 405 ] فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين
"أن" في هذه الآية مفعول من أجله، أي: أنيبوا وأسلموا من أجل أن تقول نفس، وقرأ الجمهور: "يا حسرتا"، والأصل: "يا حسرتي"، ومن العرب من يرد ياء الإضافة ألفا، فيقول: يا غلاما، ويا جارا، وقرأ [يا حسرتاي] بفتح الياء، ورويت عنه بسكونها، قال أبو جعفر بن القعقاع: أبو الفتح; جمع بين العوض والمعوض منه، وروى ابن جماز عن : "يا حسرتي" بكسر التاء وبعدها ياء ساكنة، قال أبي جعفر : "ومعنى نداء الحسرة والويل: أي: هذا وقتك وزمانك فاحضري". و"فرطت" معناه: قصرت في اللازم، وقوله: سيبويه في جنب الله معناه: في مقاصدي إلى الله، وفي جهة طاعته، أي: في تضييع شريعته والإيمان به، و"الجنب" يعبر به عن هذا ونحوه، ومنه قول الشاعر:
أفي جنب بكر قطعتني ملامة ... لعمري لقد طالت ملامتها بيا
[ ص: 406 ] ومنه قول الآخر:
الناس جنب والأمير جنب
وقال : مجاهد في جنب الله أي: في أمر الله. وقول الكافر: وإن كنت لمن الساخرين ندامة على استهزائه بأمر الله، والسخر: الاستهزاء.
وقوله تعالى: أو تقول في الموضعين عطف على قوله: أن تقول الأول، و"كرة" مصدر، من: كر يكر، وقوله: "فأكون" نصب بـ"أن" مضمرة مقدرة، وهو عطف على قوله: "كرة"، والمراد: لو أن لي كرة فكونا، فلذلك احتيج إلى "أن" لتكون مع الفعل بتأويل المصدر، ونحوه قول الشاعر - أنشده -: الفراء
فما لك منها غير ذكرى وخشية ... وتسأل عن ركبانها أين يمموا
[ ص: 407 ] وقد قرر بعض الناس الكلام بأنه: "لو أن لي أن أكر"، ذكره ، وهذا "الكون" في هذه الآية داخل في التمني. الطبري
وقوله: "بلى" جواب لنفي مقدر في قول هذه النفس، كأنها قالت: "فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر"، أو قالت: "فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا"، ونحو هذا، وحق "بلى" أن يجيء بعد نفي عليه تقرير.
وقرأ الجمهور: "قد جاءتك" بفتح الكاف وبفتح التاء من قوله: "فكذبت بها واستكبرت وكنت"، على مخاطبة الكافر ذي النفس، وقرأ ، ابن يعمر والجحدري بكسر الكاف والتاء في الثلاثة على خطاب النفس المذكورة، قال : روتها أبو حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ أم سلمة : [بلى قد جاءته] بالهاء. الأعمش
ثم خاطب تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بخبر يراه يوم القيامة من حالة الكفار، في ضمن هذا الخبر وعيد لمعاصري محمد صلوات الله وسلامه عليه، وقوله: [ترى] هو من رؤية العين، وكذبهم على الله: هو في أن جعلوا لله البنات والصاحب، وشرعوا ما لم يأذن به الله، إلى غير ذلك. وقوله: وجوههم مسودة جملة في موضع الحال، [ ص: 408 ] وظاهر الآية أن لون وجوههم يتغير، وتسود حقيقة، ويحتمل أن يكون في العبارة تجوز، وعبر بالسواد عن اربداد وجوههم وغالب همهم وظاهر كآبتهم، و"مثوى": موضع الثواء والإقامة، و"المتكبر": رافع نفسه إلى فوق حقه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي احتقارهم. "الكبر سفه الحق وغمط الناس"