[ ص: 239 ] قوله عز وجل:
واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين
ضرب المثل مأخوذ من الضرب أي المشبه في النوع، كما تقول: هذا ضرب هذا، واختلف، هل يتعدى فعل ضرب المثل إلى مفعولين أو إلى واحد، فمن قال إنه يتعدى إلى مفعولين جعل هذه الآية "مثلا" و"أصحاب" مفعولين لقوله: "اضرب"، ومن قال إنه يتعدى إلى مفعول واحد جعله "مثلا"، وجعل "أصحاب" بدلا منه. ويجوز أن يكون المفعول "أصحاب"، ويكون قوله "مثلا" نصب على الحال، أي: في حال تمثيل منك.
و"القرية" - على ما روي عن رضي الله عنهما، ابن عباس والزهري أنطاكية. واختلف في المرسلين، فقال وغيره: كانوا من الحواريين الذين بعثهم عيسى عليه السلام حين رفع وصلب الذي ألقي عليه شبهه، فافترق الحواريون في الآفاق، فقص الله هنا قصة الذين نهضوا إلى أنطاكية. وقالت فرقة: هؤلاء أنبياء من قبل الله تبارك وتعالى. وهذا يرجحه قول الكفرة: قتادة ما أنتم إلا بشر مثلنا ، فإنها محاورة إنما تقال لمن أدى الرسالة من الله، والآخر محتمل. وذكر في قصص هذه الآية شيئا يطول، وصحته غير متيقنة فاختصرته. النقاش
واللازم من الآية أن الله بعث إليها رسولين فدعوا أهل القرية إلى عبادة الله تعالى وحده وإلى الهدى والإيمان فكذبوهما، فشدد الله تعالى أمرهما بثالث، وقامت الحجة على أهل القرية، وآمن منهم الرجل الذي جاء يسعى، وقتلوه في آخر أمره وكفروا، فأصابتهم صيحة من السماء فخمدوا. وقرأ جمهور القراء: "فعززنا" بشد الزاي الأولى، على معنى: قوينا وشددنا، وبهذا فسر وغيره، وقرأ مجاهد - في رواية عاصم عن المفضل - بالتخفيف للزاي، على معنى: غلبناهم أمرهم وفي حرف أبي بكر : "بالثالث" بألف ولام. ابن مسعود
[ ص: 240 ] وهذه الأمة أنكرت النبوءة بقولها: وما أنزل الرحمن من شيء ، وراجعتهم الرسل بأن ردوا العلم إلى الله وقنعوا بعلمه، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط، وما عليهم من هداهم وضلالهم، وفي هذا وعيد لهم.