الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يثبت ) وجوبا كما يصرح به كلام الروضة وغيرها [ ص: 138 ] وكان وجهه أنه قد يترتب على إثباته مفسدة كادعائه أن مانعه إنما حدث بعد آخر تفرقة للفيء عليهم بدليل إثبات اسمه قبل ( في الديوان ) مع المرتزقة ( أعمى ولا زمنا ولا من لا يصلح للغزو ) لنحو جبن ، أو فقد يد ، أو جهل بالقتال وصفة الإقدام لعجزهم ومحله في مرتزق كذلك أما عيال مرتزق بهم ذلك فيثبتون تبعا له كما بحثه الجلال البلقيني وأفهم من لا يصلح الأعم مما قبله جواز إثبات أخرس وأصم وكذا أعرج يقاتل فارسا وقضية التعبير في هؤلاء بالجواز وفي أولئك بالحرمة وجوب إثبات الصالح للغزو الكامل ، وهو الرجل المسلم المكلف الحر البصير الذي ليس به مانع لأصل الغزو ولا لكماله ، وهو محتمل ( ولو مرض بعضهم ، أو جن ورجي زواله ) ولو بعد مدة طويلة ( أعطي ) وبقي اسمه في الديوان لئلا يرغب الناس عن الجهاد ( فإن لم يرج فالأظهر أنه يعطى ) أيضا لذلك لكن يمحى اسمه من الديوان أي وجوبا بناء على ما تقرر والذي يعطاه كفاية ممونه اللائقة به الآن وظاهر كلام ابن الرفعة تفريعا على المعتمد أنه لا يشترط مسكنته .

                                                                                                                              وجرى عليه السبكي وقال إن النص يقتضيه ( وكذا ) يعطى ممون المرتزق ما يليق بذلك الممون ، وهو ( زوجته ) ، وإن تعددت ومستولداته ( وأولاده ) ، وإن سفلوا وأصوله الذين تلزمه مؤنتهم في حياته بشرط إسلامهم كما بحثه الأذرعي واعترض بأن ظاهر إطلاقهم أنه لا فرق ويوجه بأنه يغتفر في التابع المحض ما لا يغتفر في المتبوع ( إذا مات ) .

                                                                                                                              وإن لم يرج كونهم من المرتزقة بعد لئلا يعرضوا عن الجهاد إلى الكسب لإغناء عيالهم واستنبط السبكي من هذا أن الفقيه أو المعيد ، أو المدرس إذا مات يعطى ممونه مما كان يأخذه ما يقوم به ترغيبا في العلم فإن فضل شيء صرف لمن يقوم بالوظيفة ولا نظر لاختلال الشرط فيهم ؛ لأنهم تبع لأبيهم المتصف به مدة فمدتهم مغتفرة في جنب ما مضى كزمن البطالة [ ص: 139 ] والممتنع إنما هو تقرير من لا يصلح ابتداء ا هـ وفرق غيره بين هذا والمرتزق بأن العلم محبوب للنفوس لا يصد الناس عنه شيء فيوكل الناس فيه إلى ميلهم إليه والجهاد مكروه للنفوس فيحتاج الناس في إرصاد أنفسهم إليه إلى تألف وبأن الإعطاء من الأموال العامة ، وهي ما هنا أقرب من الخاصة كالأوقاف فلا يلزم من التوسع في تلك التوسع في هذه ؛ لأنه مال معين متقيد بتحصيل مصلحة نشر العلم في ذلك المحل فكيف يصرف مع انتفاء الشرط وقضية هذا أن ممون العالم يعطون من مال المصالح إلى الاستغناء ، وهو متجه ثم رأيت بعضهم رجحه أيضا ، وأن الكلام في غير أوقاف الأتراك ؛ لأنها من بيت المال فساوت ما هنا ولعل هذا مراد السبكي ويؤيده قول بعض المحققين إنما توسع السبكي ومعاصروه ومن قبلهم في الأوقاف نظرا لما في أزمنتهم من أوقاف الترك إذ هي من بيت المال فمن له فيه شيء يأخذه منها ، وإن لم يوجد فيه شروط واقفيها ومن لا فلا .

                                                                                                                              وإن وجدت فيه ( فتعطى ) المستولدة ( والزوجة حتى تنكح ) أو تستغني بكسب ، أو غيره فإن لم تنكح فإلى الموت ، وإن رغب فيها على ما اقتضاه إطلاقهم ( والأولاد ) الذكور والإناث ( حتى يستقلوا ) أي يستغنوا ولو قبل البلوغ بكسب ، أو نحو وصية ، أو وقف ، أو نكاح للأنثى ، أو جهاد للذكر وكذا بقدرته على الكسب إذا بلغ كما هو ظاهر ؛ لأنه بالبلوغ صلح للجهاد فإذا تركه وله قدرة على الكسب لم يعطى ثم الخيرة في وقت العطاء إلى الإمام كجنس المعطى نعم لا يفرق الفلوس ، وإن راجت وله إسقاط بعضهم لكن بسبب ويجيب من طلب إثبات اسمه إن رآه أهلا وفي المال سعة ولبعضهم إخراج نفسه لعذر مطلقا ولغيره إلا إن احتجنا إليه ويظهر أن المراد بالعذر المقدم على حاجتنا إليه ما يترتب عليه ضرر لنا ، أو له أعظم مما يترتب على ترك حاجتنا إليه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 138 ] قوله : أما عيال مرتزق لهم ذلك فيثبتون إلخ ) إن كان المعنى أن عيال المرتزق إذا كان بهم عمى ، أو زمانة ، أو عجز عن الغزو يثبتون تبعا لهم فهذا ، واضح من أن يحتاج لبحث الجلال ؛ لأنهم لم يعطوا للقتال بل أعطى هو ما يكفي مؤنتهم . ( قوله : الآن ) انظر ما ضابطه هل هو كل يوم بليلته عند حضورهما بالنسبة للنفقة ، وكل فصل عند حضوره بالنسبة للكسوة ؟ . ( قوله : ويوجه إلخ ) الوجه أن هذا التردد خاص بما بعد الموت فيعطي في حياته لموته - [ ص: 139 ] ولو كافرا لظهور التبعية قبل الموت ، وضعفها بعده م ر . ( قوله : والممتنع إلخ ) هذا يفيد تجويز تقرير من لا يصلح للتدريس عوضا عن أبيه ، ويستناب عنه كما يفيده قوله : فإن فضل شيء صرف لمن يقوم بالوظيفة ، وقضية فرق غيره امتناع هذا ، وعليه فهل يستثنى ما لو شرط الواقف أن تكون الوظيفة بعد موت المدرس لولده ، وأنه يستناب عنه إن لم يصلح لمباشرتها حتى يجوز تقرير الولد قبل صلاحه ، ويستناب عنه ، أو لا فيقرر غيره إلى صلاحه ، فيعزل الأول ، ويقرر هو ، فيه نظر .

                                                                                                                              ( قوله : ولعل هذا مراد السبكي ) مما يبعد ، أو يمنع أن هذا مراده قوله : ولا نظر إلخ فتأمله . ( قوله : ولو قيل : إن احتجنا إليه امتنع مطلقا ) أي : لعذر ، ، أو لا ، واعلم أنه قد يقال : الإطلاق في هذا القول أكبر من الإطلاق في المعترض عليه فما معنى الاعتراض عليه ، والاستدراك بهذا فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : وجوبا ) خلافا للنهاية قال البجيرمي والذي اعتمده [ ص: 138 ] الزيادي تبعا للروضة وجوب ذلك . ا هـ . أقول : وهو قضية صنيع المغني . ( قوله : وجهه ) أي : وجوب عدم الإثبات ( قوله : أن مانعه إنما حدث بعد إلخ ) أي : فيستحق من الغنى الحادث بعد . ( قوله : عليهم ) أي : المرتزقة الذين هو منهم وأخذ معهم . ( قوله : لنحو جبن ) إلى قوله وأفهم في النهاية ( قوله : وصفة الإقدام ) وعبر النهاية بأو بدل الواو ( قوله : ومحله ) أي : عدم جواز إثبات هؤلاء ، وقوله : كذلك أي : أعمى ، أو زمن ، أو نحوه ( قوله : أما عيال مرتزق إلخ ) إن كان المعنى أن عيال المرتزق إذا كان بهم عمى ، أو زمانة ، أو عجز عن الفرق يثبتون تبعا له فهذا واضح من أن يحتاج لبحث الجلال ؛ لأنهم لم يعطوا للقتال بل أعطي هو ما يكفي مؤنتهم سم على حج . ا هـ رشيدي . ( قوله : وأفهم ) إلى قوله : وقضية التعبير في المغني والروض مع شرحه .

                                                                                                                              ( قوله : جواز إثبات أخرس وأصم إلخ ) لقدرتهم على القتال . ا هـ شرح الروض . ( قوله : فارسا ) أي : لا راجلا . ( قوله : وقضية التعبير إلخ ) محل تأمل . ا هـ سيد عمر ( قوله : في هؤلاء ) أي : الأخرس إلخ وقوله وفي أولئك أي : الأعمى والزمن إلخ . ( قوله : بالحرمة ) أي : على ما اختاره تبعا للروضة من وجوب عدم إثبات أولئك خلافا للنهاية كما مر . ( قول المتن زواله ) أي : المانع من المرض والجنون ( قوله : ولو بعد مدة ) إلى قوله : وظاهر كلامهم في المغني إلا قوله : أي : وجوبا بناء على ما تقرر ، وإلى قوله : واعترض في النهاية إلا ذلك القول . ( قوله : لذلك ) أي : لئلا يرغب الناس إلخ عبارة شرح الروض كما يعطي زوجات الميت وأولاده بل أولى . ا هـ . ( قوله : يمحي اسمه ) أي : من المحل الذي يكتب فيه أسماء المرتزقة من الديوان فيما يظهر ، وإلا فمحوه مطلقا قد يوقع في اللبس . ا هـ سيد عمر . ( قوله : أو : وجوبا إلخ ) قد يتوقف في الوجوب هنا ويفرق بينه وبين ما مر بانتفاء المفسدة هنا بالكلية ؛ لأنه معطى بكل تقدير ، وإن اختلف القدر المعطى في الحالين . نعم ينبغي التنبيه على الاختلاف المذكور . ا هـ سيد عمر عبارة الرشيدي قوله : يمحي اسمه إلخ أي : ندبا لا وجوبا على قياس ما مر بل أولى بعدم الوجوب والشهاب ابن حجر يرى الوجوب هنا وهناك . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بناء على ما تقرر ) أي : من وجوب عدم إثبات نحو الأعمى . ( قوله : اللائقة به الآن ) أي : لا القدر الذي كان يأخذه لأجل فرسه وقتاله وما أشبه ذلك . ا هـ مغني وسلطان . ( قوله : على المعتمد ) أي : الذي عبر عنه المصنف بقوله : فالأظهر أنه يعطى كما هو ظاهر خلافا للرشيدي حيث حمله على وجوب عدم إثبات نحو الأعمى الذي اختاره الشارح خلافا للنهاية ، ثم استشكل كلامه . ( قوله : مسكنته ) أي : المريض ، أو المجنون . ( قوله : يعطى ) إلى قوله بشرط في المغني ( قوله : ما يليق بذلك الممون ) أي : لا ما كان للمرتزق أخذه . ا هـ مغني ( قوله : الذين إلخ ) هل هو نعت للزوجة أيضا ؟ .

                                                                                                                              ( قوله : بشرط إسلامهم إلخ ) فلا تعطى الزوجة الكافرة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ؛ لأنها عطية مبتدأة لها ، ومثلها الباقون فإن أسلمت بعد موته فالظاهر إعطاؤه لانتفاء علة منعه ، وهو الكفر . ا هـ نهاية ( قوله : إنه لا فرق إلخ ) ، وهو الظاهر ا هـ مغني ( قوله : ويوجه إلخ ) وفاقا للمغني وخلافا للنهاية كما مر ولشرح الروض قال سم : الوجه أن هذا التردد خاص بما بعد الموت فيعطى في حياته لممونه ولو كافرا لظهور التبعية قبل الموت وضعفها بعد الموت م ر . ا هـ . ( قوله : وإن لم يرج ) إلى قوله : ثم رأيت في النهاية والمغني . ( قوله : لإغناء عيالهم ) أي : بعدهم . ( قوله : واستنبط إلخ ) عبارة النهاية : وما استنبطه السبكي إلخ رد بظهور الفرق إلخ . ( قوله : يعطى ممونه ) عبارة المغني زوجته وأولاده . ا هـ . ( قوله : - [ ص: 139 ] والممتنع إنما هو إلخ ) هذا يفيد تجويز تقرير من لا يصلح للتدريس عوضا عن أبيه ، ويستناب عنه كما يفيده قوله : فإن فضل شيء صرف لمن يقوم بالوظيفة ، وقضية فرق غيره امتناع هذا ، وعليه فهل يستثنى ما لو شرط الواقف أن تكون الوظيفة بعد موت المدرس لولده ، وأنه يستناب عنه إن لم يصلح لمباشرتها حتى يجوز تقرير الولد قبل صلاحه ويستناب عنه ، أو لا ؟ ، فيقرر غيره إلى صلاحه ، فيعزل الأول ويقرر هو فيه نظر سم على أقول والأقرب أنه يقرر عملا بشرط الواقف ويستناب عنه . ا هـ ع ش . ( قوله : وفرق غيره إلخ ) الفرق الأول لابن النقيب والثاني للعراقي ا هـ مغني ( قوله : أقرب إلخ ) خبر أن ( قوله : وقضية هذا ) أي : الفرق الثاني . ( قوله : وأن الكلام إلخ ) عطف على أن ممون العالم إلخ . ( قوله : في غير أوقاف الأتراك ) أي : الأرقاء . ( قوله : لأنها من بيت المال إلخ ) وقد تقدم ما فيه . ( قوله : ولعل هذا مراد السبكي ) مما يبعد ، أو يمنع أن هذا مراده قوله : ولا نظر إلخ فتأمله . ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله المستولدة ) إلى قوله في المغني إلا قوله : كجنس المعطى ، وإلى قوله : ويظهر في النهاية . ( قوله : أو غيره ) كإرث ووصية ووقف ، وقضية قوله الآتي : وكذا بقدرته إلخ أن الأنثى زوجة ، أو مستولدة ، أو فرعا لا تكلف بالكسب فتعطى ولو قدرت على الكسب . ( قوله : فإن لم تنكح إلخ ) أي : ولم تستغن بكسب ، أو غيره مغني ورشيدي . ( قوله : وإن رغب إلخ ) أي : رغب الأكفاء في نكاحها . ( قوله : على ما اقتضاه إلخ ) عبارة النهاية كما اقتضاه إلخ وعبارة المغني ، وهو ظاهر . ا هـ . ( قوله : بقدرته على الكسب إلخ ) عبارة المغني بقدرة الذكور على الغزو . ا هـ . ( قوله : ثم الخيرة في وقت الإعطاء إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه ، وليكن وقت الإعطاء معلوما لا يختلف مشافهة أو مشاهرة ، أو نحو ذلك من أول السنة ، أو غيره أول كل شهر أو غيره بحسب ما يراه الإمام ، والغالب أن الإعطاء يكون في كل سنة مرة لئلا يشغلهم الإعطاء كل أسبوع ، أو كل شهر عن الجهاد ؛ ولأن الجزية ، وهي معظم الفيء لا تؤخذ في السنة إلا مرة . ا هـ . ( قوله : لا يفرق الفلوس إلخ ) تخصيص الاستثناء بالفلوس يقتضي أن له دفع غيرها من الحبوب والعروض كالحبوب والثياب ، ويراعى في تفرقتها القيمة لكن على هذا ينظر وجه تخصيص الفلوس بعدم الإخراج مع جواز غيرها . ا هـ ع ش أقول : ويمكن أن يقال : إن استثناء الفلوس محمول على ما إذا دار الأمر بين تفريق النقود والفلوس ، وأما إذا دار بين تفريق الفلوس ونحو الحبوب بأن لم يتيسر النقود فيتعين جواز تفريق الفلوس إذا راجت والله أعلم .

                                                                                                                              ( قوله : ويجيب من طلب إلخ ) ظاهره وجوبا ، وعليه فينبغي أن يزاد في القيود للحاجة إلى إثباته والله أعلم . ا هـ سيد عمر . ( قوله : مطلقا ) أي : احتجنا إليهم أم لا ( قوله : ولغيره ) أي : لغير عذر . ( قوله : أعظم مما يترتب إلخ ) ينبغي ، أو مساو ، والله أعلم . ا هـ سيد عمر




                                                                                                                              الخدمات العلمية