( كتاب ) ( قسم ) بفتح القاف مصدر بمعنى القسمة ، وهو بكسرها النصيب ( الفيء ) مصدر فاء يفيء إذا رجع سمي به المال الآتي لرجوعه إلينا من استعمال المصدر في اسم الفاعل ؛ لأنه راجع ، أو المفعول ؛ لأنه مردود سمي بذلك ؛ لأن الله تعالى خلق الدنيا وما فيها للمؤمنين للاستعانة على طاعته فمن خالفه فقد عصاه وسبيله الرد إلى من يطيعه ( والغنيمة ) فعيلة بمعنى مفعولة من الغنم أي الربح والمشهور تغايرهما كما دل عليه العطف وقيل اسم الفيء يشملها ؛ لأنها راجعة إلينا أيضا ولا عكس فهي أخص وقيل هما كالفقير والمسكين [ ص: 129 ] ولم يحلا لغيرنا بل كانت تأتيهم نار من السماء تحرق ما جمعوه وكانت في صدر الإسلام له صلى الله عليه وسلم خاصة ؛ لأن النصرة ليست إلا به ثم نسخ ذلك واستقر الأمر على ما يأتي قيل بعضهم ذكر هذا الباب بعد السير ، وهو الأنسب وقد يقال بل هذا أنسب ؛ لأنه قد علم أن ما تحت أيدي الكفار من الأموال ليست لهم بطريق الحقيقة فهم كوديع تحت يده مال لغيره سبيله رده إليه فلذا ذكر عقب الوديعة لمناسبته لها وهذه مناسبة دقيقة لا تستفاد إلا من هذا الصنيع فكان أولى فإن قلت بل هم كالغاصب فكان الأنسب ذكره عقب الغصب قلت التشبيه بالغاصب ، وإن صح من وجه لكن فيه تكلف وإنما الأظهر التشبيه بالوديع من حيث إنه مع جواز تصرفهم فيه مستحق الرد لغيرهم ( الفيء مال ) ذكره ؛ لأنه الأغلب ، وإن قيل حذف المال أولى ليشمل الاختصاص ( حصل ) لنا ( من كفار ) حربيين ، أو غيرهم لما يأتي في الأمثلة فتقييد شيخنا بالحربيين موهم ، وإن أمكن توجيهه على بعد بأنه باعتبار أنهم الأصل لا لإخراج غيرهم نعم يشترط كونه ملكهم ليخرج ما استولوا عليه لنحو مسلم فإنه يجب رده إليه كما يأتي قريبا وخرج به نحو صيد دارهم الذي لم يستولوا عليه فإنه مباح فيملكه آخذه كما في أرضنا ( بلا قتال وإيجاف ) أي إسراع نحو ( خيل وركاب ) أي إبل وبلا مؤنة أي لها وقع كما هو ظاهر ( كجزية ) وخراج ضرب على حكمها كذا قيده شارح والوجه أنه لا فرق بينه وبين غيره مما هو في حكم الأجرة حتى لا يسقط بإسلامهم ويؤخذ من مال من لا جزية عليه ؛ لأنه ، وإن كان أجرة يصدق عليه حد الفيء ومنه نحو صبي دخل دارنا فأخذه مسلم وضالة حربي ببلادنا بخلاف كامل داخل دارنا فأخذ ؛ لأن أخذه يحتاج لمؤنة أي غالبا ( وعشر تجارة ) يعني ما أخذه من أهلها ساوى العشر ، أو لا وما صولح عليه أهل بلد من غير نحو قتال ( وما جلوا ) أي هربوا ( عنه خوفا ) ولو من غيرنا فيما يظهر ثم رأيت الأذرعي بحثه أيضا ورد تقييدا لبعض الشراح بالمسلمين أخذا من عبارة الشيخين قيل الأولى حذفه ليشمل ما جلوا عنه لنحو صر أصابهم ويرد بأنه يدخل فيه لما تقرر أنه شامل لخوفهم منا ومن غيرنا نعم لو فرض أنهم تركوا مالا لا لمعنى ، أو لنحو عجز دوابهم عن حمله فهو فيء أيضا كما هو ظاهر وقد يرد هذا عليه إلا أن يجاب بأن التقييد بالخوف للغالب وما جلوا عنه بعد تقابل الجيشين غنيمة لكنه لما حصل التقابل كان بمنزلة حصول القتال فلم يرد ( ومال ) واختصاص ( مرتد قتل ، أو مات ) على الردة ( و ) مال واختصاص ( ذمي ) ، أو معاهد ، أو مستأمن ( مات بلا وارث ) مستغرق بأن لم [ ص: 130 ] يترك وارثا أصلا ، أو ترك وارثا غير جائز فجميع ماله في الأول وما فضل عن وارثه في الثاني لبيت المال كما بينه السبكي وألف فيه ردا على كثيرين أخطئوا في ذلك فإن خلف مستغرقين لميراثه بمقتضى شرعنا ولم يترافعوا إلينا لم نتعرض لهم في قسمته واعترض الحد بشموله لما أهداه كافر في غير حرب فإنه ليس بفيء كما أنه ليس بغنيمة مع صدق تعريف الفيء عليه ولما مع أنه غنيمة مخمسة وكذا أخذ بسرقة من دار الحرب مع أنه كذلك وبأن ما في حيز لا لا بد من انتفاء جميعه والعبارة تحتمل انتفاء مجموعه فكان ينبغي إعادة لا ويجاب بأن قرينة نفي القتال والإيجاف تدل على أن الكلام في حصول بغير عقد ونحوه مما لا منة فيه للمأخوذ منه وهذا حاصل بذلك فمن ثم اتجه حكمهم عليه بأنه ليس بفيء ولا غنيمة واتجه أنه لا يرد على حد الفيء وبأن السارق لما خاطر كان في معنى القاتل على أنه سيذكر حكمه في السير كالملتقط الأظهر إيرادا من السارق لولا ذكره ثم ما يفيد أنه غنيمة ؛ لأن فيه مخاطرة أيضا إذ قد يتهمونه بأنه سرقها على أن ما أهداه والحرب قائمة الأذرعي بحث أن أخذ مالهم بدارنا بلا أمان كهو في دارهم ويوجه بأن فيه مخاطرة أيضا بخلاف أخذ الضالة السابق وبأن الحرب لما كانت قائمة كانت في معنى القتال وبأن الأصل فيما في حيز النفي انتفاء جميعه لا مجموعه كما أشاروا إليه في تفسير ولا الضالين وسيأتي قبيل التفويض ما له تعلق بذلك فاندفع جواب السبكي بأن الواو قبل ركاب بمعنى ، أو وقبل إيجاف تحتمل ذلك وبقاءها على حقيقتها من الجمع على أنه مردود بأن كونها بمعنى أو إنما هو في جانب الإثبات في حد الغنيمة لا النفي في حد الفيء بل هي على بابها إذ المراد انتفاء كل على انفراده ( فخمس ) وقال الأئمة الثلاثة : يصرف جميعه لمصالح المسلمين [ ص: 131 ] لنا القياس على الغنيمة المخمسة بالنص بجامع أن كلا راجع إلينا من الكفار واختلاف السبب بالقتال وعدمه لا يؤثر وزعم أن هذا من باب حمل المطلق على المقيد بعيدا لما عرف مما تقرر ويأتي أن الفيء والغنيمة حقيقتان متغايرتان شرعا فلم يتصور هنا مطلق ومقيد ( وخمسة لخمسة ) متساوية ( أحدها مصالح المسلمين كالثغور ) ، وهي محال الخوف من أطراف بلادنا فتشحن بالعدة والعدد ( والقضاة ) أي : قضاة البلاد لا العسكر وهم الذين يحكمون لأهل الفيء في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة لا من خمس الخمس كأئمتهم ومؤذنيهم ( والعلماء ) يعني المشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها ولو مبتدئين والأئمة والمؤذنين ولو أغنياء وسائر من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين لعموم نفعهم وألحق بهم العاجزون عن [ ص: 132 ] الكسب والعطاء إلى رأي الإمام معتبرا سعة المال وضيقه وهذا السهم كان له صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وعياله ويدخر منه مؤنة سنة ويصرف الباقي في المصالح كذا قاله الأكثرون وقالوا وكان له الأربعة الأخماس الآتية فجملة ما كان يأخذه إحدى وعشرين من خمسة وعشرين قال جميع الفيء خمسة أسهم متساوية الروياني وكان يصرف العشرين التي له للمصالح قيل وجوبا وندبا وقال الغزالي وغيره بل كان الفيء كله له في حياته وإنما خمس بعد موته ويؤيد حصره قولنا لنا القياس إلخ إذ لو خمس في حياته لم يحتج للقياس وقال الماوردي وغيره : كان له في أول حياته ثم نسخ في آخرها ويؤيد الأول الخبر الصحيح { } ولم يرد عليهم إلا بعد وفاته . ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم
( تنبيه ) وقع للرافعي هنا أنه صلى الله عليه وسلم مع تصرفه في الخمس المذكور لم يكن يملكه ولا ينتقل منه إلى غيره إرثا وسبقه لذلك جمع متقدمون ورد بأن الصواب المنصوص أنه كان يملكه وقد غلط من قال لم يكن صلى الله عليه وسلم يملك شيئا وإنما أبيح له ما يحتاج إليه وقد يؤول كلام الشيخ أبو حامد الرافعي بأنه لم ينف الملك المطلق بل الملك المقتضي للإرث عنه ويؤيد ذلك اقتضاء كلامه في الخصائص أنه يملك وإنما لم يورث كالأنبياء إما لئلا يتمنى وارثهم موتهم فيهلك ؛ لأن ذلك كفر كما قاله المحاملي قال الزركشي وقريب منه ما ذكر أن حكمة عدم شيبه صلى الله عليه وسلم أن النساء يكرهنه وكراهته منه كفر وإما لئلا يظن فيهم الرغبة في الدنيا بجمعها لورثتهم ( فائدة ) ففي الإحياء قيل لا يجوز لأحدهم أخذ شيء منه أصلا ؛ لأنه مشترك ولا يدري حصته منه وهذا غلو وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم وقيل كفاية سنة وقيل ما يعطى إذا كان قدر حقه والباقون مظلومون وهذا هو القياس ؛ لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين ومن ثم منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال ا هـ وخالفه من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه ابن عبد السلام فمنع الظفر في الأموال العامة لأهل الإسلام ومال المجانين والأيتام وأفتى المصنف بأن من جاز لكل أخذ قدر حقه ، أو على بعضهم لزم من وصل له شيء قسمته عليه وعلى الباقين بنسبة أموالهم وما ذكره غصب أموالا لأشخاص وخلطها ثم فرقها عليهم بقدر حقوقهم الغزالي أوجه مما ذكره ابن عبد السلام إذ كلامهم الآتي في الظفر يرده ولا يعارضه هذا الإفتاء ؛ لأن أعيان الأموال يحتاط لها ما لا يحتاط لمجرد تعلق الحقوق ( يقدم الأهم فالأهم ) [ ص: 133 ] وجوبا وأهمها سد الثغور