الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم شرط حل التناول منها فيما يحل منها بالذكاة قال الله تعالى : { إلا ما ذكيتم } وزعم بعض العراقيين من مشايخنا رحمهم الله أن الذبح والتذكية محظور بالعقل لما فيها من إيلام الحيوان ، وهذا عندي باطل فقد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول من اللحم قبل مبعثه } ولا يظن أنه كان يتناول ذبائح المشركين ; لأنهم كانوا يذبحون باسم الأصنام فعرفنا أنه كان يذبح ويصطاد بنفسه ، وما كان يفعل ما هو محظور عقلا كالظلم والكذب والسفه ، فإنه لا يجوز أن يظن به أنه فعل ذلك قط ، ثم في الذبح والاصطياد تحصيل منفعة الغذاء لمن هو المقصود من الحيوانات وهو الآدمي . فيكون ذلك سببا مباحا إليه ، وأشار الله تعالى في قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } والإيلام لهذا المقصود ، فلا يكون محظورا عقلا كالفصد والحجامة مندوب ، وشرب الأدوية الكريهة في وقتها .

والذكاة لغة التوقد ، والتلهب الذي يحدث في الحيوان بحدة لأدلة سميت الشمس ذكاء لشدة الحرارة ، وسمي الرجل الذي في خاطره حدة ذكيا ، فبهذا يتبين أن اشتراط الذكاة لتطييب اللحم به ، فإنه نوع نضج ; ولهذا كان المذكى أطيب لحما من الميتة وأبعد من النسيس والفساد ، وقيل : الذكاة عبارة عن تسييل الدم الفاسد النجس ، فإن المحرم في الحيوان الدم المسفوح قال الله تعالى في جملة المحرمات : { أو دما مسفوحا } فكانت الذكاة إزالة للخبث ، وتطييبا بتمييز الطاهر من النجس ، وهو نوعان : الذبح في المذبح عند القدرة عليه قال صلى الله عليه وسلم : { الذكاة ما بين اللبة واللحيين } ، وبالجرح في أي موضع أصابه عند تعذر الذبح في المذبح ثم يحصل بعض ذلك بالجرح والتكليف بحسب الوسع ، ففي كل موضع يكون الذبح في المذبح مقدورا له لا يثبت الحل إلا به ، وفي كل موضع تعذر يقوم الجرح مقامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية