فعلى الغاصب رد الجارية مع نقصان الولادة ; لأنها دخلت في ضمانه بجميع أجزائها ، وقد فات جزء مضمون منها ، ولو فاتت كلها ضمن الغاصب قيمتها ، والجزء معتبر بالكل ، وإن ( رجل ) غصب جارية فولدت عنده ، ثم مات الولد فعليه ردهما ; لأن الولد جزء من الأصل فيكون مملوكا لمالك الأصل ، ومؤنة الرد في الولد على الغاصب ، وإن لم يكن مضمونا عليه كمؤنة الرد في المستعار على المستعير ، وإن لم يكن مضمونا عليه ، فإذا كان الولد حيا لم يضمن الغاصب من نقصان الولادة شيئا عندنا ، وقال ردهما وفي قيمة الولد وفاء بنقصان الولادة رحمه الله هو ضامن لذلك ، وإن لم يكن في قيمة الولد وفاء بالنقصان فهو ضامن لما زاد على قيمة الولد من النقصان عندنا ، وعند زفر هو ضامن لجميع النقصان ; لأن ضمان النقصان واجب عليه بفوات جزء مضمون منها ، فلا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء ممن له الحق ، وقد انعدم الإسقاط ممن له الحق ، وهو برد الولد لا يكون مؤديا للضمان ; لأن الولد ملك المضمون له ، وأداء الضمان ملك غير المضمون له ; لأن الضمان لجبران ما فات عليه ، وملكه لا يكون جابرا لملكه ، ولا يجوز أن يكون الولد قائما مقام الجزء الفائت بالولادة ; لأن الولد أمانة في يده ، والفائت مضمون عليه فكيف تكون الأمانة خلفا عن المضمون . زفر
( ألا ترى ) أنه لو دخلها عيب آخر في يده ، وفي [ ص: 59 ] قيمة الولد وفاء بنقصان ذلك العيب لم يكن الولد جابرا لذلك النقصان . وشبه هذا بمن لم يسقط الضمان عن القاطع بما نبت ; لأن النابت ملك المضمون له بخلاف ما لو قطعت يدها فأخذ الغاصب الأرش فردها مع الأرش ; لأن الأرش ما تولد من ملك المضمون له ، فيمكن أن يجعل مؤديا للضمان به ، وبخلاف ما لو قطع قوائم شجرة إنسان فنبت مكانها أخرى أو صارت مهزولة ثم سمنت ; لأن هناك انعدم سبب الضمان ; لأن السبب إفساد المنبت لا مجرد القلع ، وقد تبين أنه ما أفسد المنبت ; ولهذا لو كان نبات السن بعد الرد لم يجب على الغاصب شيء أيضا ، وهنا السبب وهو النقصان قائم مشاهد ، والولد لا يصلح أن يكون قائما مقام ذلك النقصان . قلع سنها فنبت مكانها أخرى
ألا ترى أن الوفاء بقيمته لو حصل بعد الرد لم يتخير به فكذلك قبله وحجتنا في ذلك أن سبب الضمان منعدم هنا حكما ، والنابت حكما كالثابت حسا أو أقوى منه . وبيان ذلك أن الولد خلف عن الجزء الفائت بالولادة بطريق اتحاد السبب ، وهو أن الولادة أوجبت فوات جزء من مالية الأصل وحدوث مالية الولد ; لأن الولد وإن كان موجودا قبل الانفصال فلم يكن مالا بل كان عيبا في الأم أو كان وصفا لها ، وإنما صار مالا مقصودا بعد الانفصال ، والسبب الواحد متى أثر في النقصان والزيادة كانت الزيادة خلفا عن النقصان كالبيع لما زال المبيع عن ملك البائع وأدخل الثمن في ملكه كان الثمن خلفا عن مالية المبيع له باتحاد السبب ، حتى لو شهد الشاهدان عليه ببيع شيء بمثل قيمته ، ثم رجعا لم يضمنا شيئا ، وكذلك الأرش خلف عن مالية اليد المقطوعة باتحاد السبب ، فكما ينعدم النقصان إذا رد ذلك الجزء بعينه بأن فكذلك ينعدم النقصان برد الخلف ; لأن الخلف عن الشيء يقوم مقامه عند فواته ، والدليل عليه فصل السمن والسن ، فإن الحادث هناك يجعل خلفا عن الفائت باتحاد المحل ; لأنه حادث في محل النقصان ، وتأثير السبب في الخلافة أكثر من تأثير المحل ، فإذا جعل باتحاد المحل هناك الحادث خلفا عن الفائت حتى ينعدم به سبب الضمان فهذا أولى ، وبهذا ظهر الجواب عن كلامه ، فإنا لا نجعل الغاصب مؤديا للضمان برد الولد ، ولكن نبرئه بانعدام سبب الضمان ، فإنما ينعدم سبب الضمان برد ملك المغصوب منه فيكون المردود ملكه يقرر هذا المعنى . غصب بقرة فقطع جزءا منها ، ثم رد ذلك الجزء مع الأصل
( فإن قيل : ) كيف يستقيم هذا ، والولد يبقى ملكا للمغصوب منه بعد انعدام النقصان . ( قلنا : ) لأنه في الملك لم يكن خلفا إنما كان مملوكا له بكونه متولدا من ملكه وذلك باق ، وإنما [ ص: 60 ] كان خلفا في حكم الانجبار ، فلا جرم بعد ارتفاع النقصان لا يكون الولد جابرا للنقصان ، وهو كالتراب خلف عن الماء في حكم الطهارة لا في الملك ، فبعد وجود الماء يبقى التراب مملوكا له ، ولا يكون خلفا في حكم الطهارة .
( وإذا ) ثبت هذا فيما إذا كان في قيمة الولد وفاء بالنقصان عند الولادة فكذلك إذا صار فيه وفاء بعد الولادة قبل الرد ; لأن حكم الخلافة باتحاد السبب لما انعقد فيه فالحادث فيه بعد انعقاد السبب يلتحق بالموجود وقت السبب ، كالزوائد في المبيع بعد البيع قبل القبض تلتحق بالموجود وقت العقد ، ولكن هذه الخلافة في حكم الانجبار ليكون رد الخلف كرد الأصل ، وهذا ينتهي بالرد ، فالزيادة فيه بعد الرد لا تجعل كالموجود عند السبب لهذا كالزيادة في المبيع بعد القبض لا تعتبر في انقسام الثمن ، فأما في السن يتبين انعدام سبب الضمان من حيث إن الحادث خلف عن الفائت باتحاد المحل من حيث الظاهر ، ومن حيث المعنى عدم إفساد المنبت ، وذلك يتحقق بعد الرد كما يتحقق قبله . ويوضحه أن هناك لا يشترط لإيجاب الضمان بالقلع كون الأصل في ضمانه عند القلع ، فكذلك لا يشترط لانعدام السبب بالنبات بقاء الأصل في ضمانه بخلاف ما نحن فيه ، وفي قطع قوائم الشجرة الواجب ضمان عين ما ذهب به القاطع وهو الجزء المقطوع ، وذلك لا ينعدم بنبات مثله . ثم النبات هناك ليس بسبب القطع بل ببقاء الشجرة الخضرة النامية ، والانجبار بحكم اتحاد السبب على ما قررنا فإن ففي هذه المسألة ثلاث روايات : روي عن ماتت الأم ، وبالولد وفاء بقيمتها رحمه الله أنه يبرأ برد الولد ; لأن وجوب الضمان على الغاصب لجبران حق المغصوب منه ، وذلك حاصل بالوفاء في قيمة الولد ، وروي عنه أنه يجبر بالولد قدر نقصان الولادة ، ويضمن ما زاد على ذلك من قيمة الأم ; لأن الولادة لا توجب الموت فالنقصان يكون بسبب الولادة ، فأما موت الأم لا يكون بسبب الولادة ، ورد القيمة كرد العين ، ولو رد عين الجارية كان النقصان منجبرا بالولد ، فكذلك إذا رد قيمتها ، ( وفي ) ظاهر الرواية عليه قيمتها يوم الغصب كاملة لوجهين : أبي حنيفة
( أحدهما ) أنها لما ماتت تبين أن الولادة كانت موتا من أصله كالجرح إذا اتصل به زهوق الروح يكون قتلا من أصله لا أن يكون جرحا ، ثم قتلا بناء عليه ، ومن حيث إن الولادة موت لا يكون موجبا للزيادة ، وهذا بخلافه بحكم اتحاد السبب ، فإذا انعدم هناك لم يكن الولد جابرا للنقصان بالولادة ، ولا قائما مقام الأم ; لأنا نجعل اتحاد السبب كاتحاد المحل ، وهناك يتصور أن يكون الحادث خلفا عن الفائت إذا كان الفائت بعض الأصل [ ص: 61 ] كالسمن والسن لا ما إذا كان الفائت جميع الأصل ، فكذلك بسبب اتحاد السبب يجعل الحادث خلفا عن الفائت إذا كان الفائت بعض الأصل لا ما إذا كان الفائت كله ; لأن الحادث تبع والتبع لا يقوم مقام الأصل إنما يقوم مقام تبع مثله .
يوضحه أنه لما ضمن الأصل من وقت الغصب ملك الأصل بالضمان من ذلك الوقت ، وتبين أن النقصان حادث على ملكه ، فلا حاجة إلى ما يجبره ، بخلاف ما إذا رد الأصل فالحاجة إلى رد جابر النقصان هنا متقرر ، وباعتبار هذه الحاجة يجعل الولد خلفا في حكم الانجبار به .