( 6308 ) مسألة : قال : ( فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة ، أبيحت للأزواج ) حكى أبو عبد الله بن حامد ، في هذه المسألة روايتين : إحداهما ، أنها في العدة ما لم تغتسل ، فيباح لزوجها ارتجاعها ، ولا يحل لغيره نكاحها . قال أحمد عمر وعلي يقولون : قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة . وروي ذلك عن وابن مسعود سعيد بن المسيب والثوري وإسحاق . وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبي موسى وعبادة رضي الله عنهم قال وأبي الدرداء له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة . قال شريك أبو بكر وروي عن أنها في عدتها ، ولزوجها رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها . وهذا قول أبي عبد الله وبه قال الثوري إذا انقطع الدم لدون أكثر الحيض . أبو حنيفة
فإن انقطع لأكثره ، انقضت العدة بانقطاعه . [ ص: 84 ] ووجه اعتبار الغسل قول الأكابر من الصحابة ، ولا مخالف لهم في عصرهم ، فيكون إجماعا . ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض ، فأشبهت الحائض ، والرواية الثانية أن اختاره العدة تنقضي بطهرها من الحيضة الثالثة وانقطاع دمها . وهو قول أبو الخطاب سعيد بن جبير والأوزاعي في القديم لأن الله تعالى قال : { والشافعي يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } . وقد كملت القروء ، بدليل وجوب الغسل عليها ، ووجوب الصلاة ، وفعل الصيام ، وصحته منها ، ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث ، ووقوع الطلاق بها ، واللعان ، والنفقة ، فكذلك فيما نحن فيه .
قال : إذا شرطنا الغسل ، أفاد عدمه إباحة الرجعة وتحريمها على الأزواج ، فأما سائر الأحكام ، فإنها تنقطع بانقطاع دمها . فصل : ( 6309 ) وإن قلنا : القروء الأطهار . فطلقها وهي طاهر ، انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة ، وإن طلقها حائضا ، انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الرابعة . وهذا قول القاضي زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبان بن عثمان ، ومالك . وهو ظاهر مذهب وأبي ثور . وحكي عنه قول آخر ، لا تنقضي العدة حتى يمضي من الدم يوم وليلة ; لجواز أن يكون الدم دم فساد ، فلا نحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال . وحكى الشافعي هذا احتمالا في مذهبنا أيضا . القاضي
ولنا أن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء ، فالزيادة عليها مخالفة للنص ، فلا يعول عليه ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، رواه عنهم بإسناده ، ولفظ حديث الأثرم { زيد بن ثابت } وقولهم : إن الدم يجوز أن يكون دم فساد . قلنا : قد حكم بكونه حيضا في ترك الصلاة ، وتحريمها على الزوج ، وسائر أحكام الحيض ، فكذلك في انقضاء العدة . ثم إن كان التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال ، فإذا تبين أنه حيض ، علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم ، كما لو قال لها : إن حضت فأنت طالق . اختلف القائلون بهذا القول ، فمنهم من قال : اليوم والليلة من العدة ; لأنه دم تكمل به العدة ، فكان منها ، كالذي في أثناء الأطهار . إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه ، وبرئ منها ، ولا ترثه ولا يرثها .
ومنهم من قال : ليس منها ، إنما يتبين به انقضاؤها ، ولأننا لو جعلناه منها ، أوجبنا الزيادة على ثلاثة قروء ، ولكنا نمنعها من النكاح حتى يمضي يوم وليلة ، ولو راجعها زوجها فيها ، لم تصح الرجعة . وهذا أصح الوجهين .