فصل
nindex.php?page=treesubj&link=34153_22250وإن كان دليله الذي احتج به هو القياس ، فإن الاعتراض عليه من وجوه :
أحدها : أن يكون مخالفا لنص القرآن ، أو نص السنة ، أو الإجماع ، وإذا كان كذلك ، فإنه قياس غير صحيح ، لأن ما ذكرناه أقوى من القياس ، وأولى منه ، فوجب تقديمها عليه .
ومنها : أن تكون العلة منضوية لما لا يثبت بالقياس ، كأقل الحيض وأكثره ، فيدل ذلك على فسادها .
ومنها : إنكار العلة في الأصل وفي الفرع ، مثل قول أصحاب أبي حنيفة : إذا لم يصم المتمتع في الحج سقط الصوم ، لأنه بدل مؤقت ، فوجب أن يسقط بفوات وقته ، أصل ذلك صلاة الجمعة وعلة الأصل غير مسلمة ، لأن الجمعة ليست ببدل عن الظهر ، وإنما الظهر بدل عن الجمعة ، وكذلك علة الفرع غير مسلمة ، لأن صوم الثلاثة الأيام في الحج بدل غير مؤقت ، لأنه مأمور في الحج دون الزمان ، والمؤقت ما خص فعله بوقت بعينه .
ومنها : أن يعارض النطق بالنطق مثل أن يحتج على المنع من الجمع بين الأختين بملك اليمين بقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين ) فيعارضه المخالف بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين )
[ ص: 95 ] فيقول المسئول : معناه أو ما ملكت أيمانهم ، في غير الجمع بين الأختين .
فيقول السائل : معنى قوله : وأن تجمعوا بين الأختين في غير ملك اليمين فيحتاج المسئول إلى ترجيح استعماله ، وتقديمه على استعمال خصمه ، فإن عجز عن ذلك كان منقطعا ، ووجه الترجيح أن يقول : روي عن علي بن أبي طالب ، أنه قال : " حرمتها آية ، وأحلتها آية ، والتحريم أولى " .
ولأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين ) ، قصد به بيان التحريم ، وليس كذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6أو ما ملكت أيمانهم ) فإنه قصد به مدح قوم ، فكان ما قصد به التحريم ، وبيان الحكم أولى بالتقديم ، ويجب حمله على ظاهره ، وترتب الآية الأخرى عليه .
وللاعترضات على القياس وجوه كثيرة اقتصرنا منها على ما ذكرناه .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=34153_22250وَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ هُوَ الْقِيَاسُ ، فَإِنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِنَصِّ الْقُرْآنِ ، أَوْ نَصِّ السُّنَّةِ ، أَوِ الْإِجْمَاعِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ قِيَاسٌ غَيْرُ صَحِيحٍ ، لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَقْوَى مِنَ الْقِيَاسِ ، وَأَوْلَى مِنْهُ ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ .
وَمِنْهَا : أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنْضَوِيَةً لِمَا لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ ، كَأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِهَا .
وَمِنْهَا : إِنْكَارُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَرْعِ ، مِثْلَ قَوْلِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ : إِذَا لَمْ يَصُمِ الْمُتَمَتِّعُ فِي الْحَجِّ سَقَطَ الصَّوْمُ ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ مُؤَقَّتٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ ، أَصْلُ ذَلِكَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَعِلَّةُ الْأَصْلِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ ، لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنِ الظُّهْرِ ، وَإِنَّمَا الظُّهْرُ بَدَلٌ عَنِ الْجُمُعَةِ ، وَكَذَلِكَ عِلَّةُ الْفَرْعِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ ، لِأَنَّ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ بَدَلٌ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ فِي الْحَجِّ دُونَ الزَّمَانِ ، وَالْمُؤَقَّتُ مَا خُصَّ فِعْلُهُ بِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ .
وَمِنْهَا : أَنْ يُعَارِضَ النُّطْقَ بِالنُّطْقِ مِثْلَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ) فَيُعَارِضُهُ الْمُخَالِفُ بِقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ )
[ ص: 95 ] فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ : مَعْنَاهُ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانَهُمْ ، فِي غَيْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ .
فَيَقُولُ السَّائِلُ : مَعْنَى قَوْلِهِ : وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَحْتَاجُ الْمَسْئُولُ إِلَى تَرْجِيحِ اسْتِعْمَالِهِ ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ خَصْمِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مُنْقَطِعًا ، وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ أَنْ يَقُولَ : رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " حَرَّمَتْهَا آيَةٌ ، وَأَحَلَّتْهَا آيَةٌ ، وَالتَّحْرِيمُ أَوْلَى " .
وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ) ، قَصَدَ بِهِ بَيَانَ التَّحْرِيمِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَدْحَ قَوْمٍ ، فَكَانَ مَا قَصَدَ بِهِ التَّحْرِيمَ ، وَبَيَانُ الْحُكْمِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَتَرَتُّبُ الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَيْهِ .
وَلِلْاعْتِرَضَاتِ عَلَى الْقِيَاسِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ اقْتَصَرْنَا مِنْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .