باب القول في أن إجماع أهل كل عصر حجة وأنه لا يقف على الصحابة خاصة
ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ ، وقال إذا أجمع أهل عصر على شيء ، كان إجماعهم حجة ، الإجماع : إجماع الصحابة دون غيرهم ، واحتج بقوله تعالى : ( داود بن علي : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ، وبقوله : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) قال : وهذا خطاب مواجهة للصحابة دون غيرهم ، فلا مدخل فيه لمن سواهم ، قال : ولأن العقل يجوز الخطأ على العدد الكثير ، وإنما وجبت العصمة من طريق الشرع ، وقد ثبت الشرع بعصمة الصحابة في إجماعهم ، ولم يثبت بعصمة غيرهم ، فمن ادعى عصمة غيرهم فعليه إقامة الدليل .
وهذا غير صحيح ، لقوله تعالى : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) ولم يفرق بين الصحابة وبين غيرهم ، فهو على عمومه .
وأيضا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : وقوله : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ، وقوله : " إن يد الله على الجماعة " ، وما أشبه ذلك من الأحاديث التي قدمناها ، وهي عامة في الصحابة وفي غيرهم . " من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية " ،
[ ص: 428 ] فأما الجواب عن الآيتين فهو : أن ذلك خطاب لجميع الأمة كما قال الله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ، ( وقاتلوا في سبيل الله ) ، ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) ، وكل ذلك خطاب لجميع الأمة ، فكذلك هاهنا ، يدل عليه أن صغار الصحابة الذين بلغوا وصاروا من أهل الاجتهاد بعد نزول الآيتين داخلون فيهما ، فدل على ما قلناه .
وأما قوله : إن الشرع خص الصحابة بالعصمة ، فالجواب عنه : أن كل شرع أثبتنا به حجة الإجماع ، فهو عام في الصحابة ، وغيرهم ، فلم يصح ما قاله .
[ ص: 429 ]