باب القول في : حكم الأشياء قبل الشرع
اختلف أهل العلم في
nindex.php?page=treesubj&link=27061الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع : فمنهم من قال : هي على الحظر ، فلا يحل الانتفاع بها ولا التصرف فيها ، ومنهم من قال : هي على الإباحة ، فمن رأى شيئا جاز له تناوله وتملكه ، ومنهم من قال : إنها على الوقف لا يقضى فيها بحظر ولا إباحة .
فأما من قال هي على الحظر ، فاحتج : بأن جميع المخلوقات ملك لله عز وجل ، لأنه خلقها وأنشأها ، ولا يجوز الانتفاع بملك الغير من غير إذنه ، والذي يدل على ذلك أن أملاك الآدميين لا يجوز لأحد منهم أن ينتفع بملك غيره إلا بإذنه ، فكذلك ملك الله لا يجوز لأحد أن ينتفع به بغير إذنه .
واحتج من قال هي على الإباحة : بأن الله تعالى خلقها وأوجدها ، فلا يخلو من أن يكون خلقها لغرض أو لغير غرض ، فلا يجوز أن يكون لغير غرض ، لأنه يكون عبثا والله لا يجوز أن يكون عابثا في أفعاله ، فوجب أن يكون خلقها لغرض ، ولا يخلو من أن يكون ليضر
[ ص: 529 ] بها أو لينفع ، فلا يجوز أن يكون ليضر بها ، لأنه حكيم لا يبتدي بالضرر ، فوجب أن يكون للنفع ، ولا يخلو من أن يكون لنفع نفسه أو لنفع عباده ، فلا يجوز أن يكون لنفع نفسه ، لأنه غني غير محتاج إلى الانتفاع فوجب أن يكون خلقها لينفع بها عباده ، ووجب أن يكون تصرفهم فيها مباحا ، وأن يكون خلقها آذنا لهم في الانتفاع بها .
وأما من قال إنها على الوقف ، وهو القول الصحيح فاحتج بقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) ، فأوقع جل ذكره اللائمة على المحلل منهم والمحرم لها ، وسوى بينهما في تحليل ما لم يأذن الله فيه ، وتحريم ما لم ينه الله عنه ، فوجب بذلك المساواة بين الزاعمين ، أنها في الأصل على الإباحة ، وبين القائلين أنها في الأصل على التحريم ؛ ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خثيم ما :
بَابُ الْقَوْلِ فِي : حُكْمِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27061الْأَعْيَانِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ : فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ عَلَى الْحَظْرِ ، فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا جَازَ لَهُ تَنَاوَلُهُ وَتَمَلُّكُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ لَا يُقْضَى فِيهَا بِحَظْرٍ وَلَا إِبَاحَةٍ .
فَأَمَّا مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى الْحَظْرِ ، فَاحْتَجَّ : بِأَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مِلْكٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لِأَنَّهُ خَلَقَهَا وَأَنْشَأَهَا ، وَلَا يَجُوزُ الْانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغِيَرِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَمْلَاكَ الْآدَمَيِّينَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَكَذَلِكَ مِلْكُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ : بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَأَوْجَدَهَا ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَيْرِ غَرَضٍ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ غَرَضٍ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ عَبَثًا وَاللَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَابِثًا فِي أَفْعَالِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا لِغَرَضٍ ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لِيَضُرَّ
[ ص: 529 ] بِهَا أَوْ لَيَنْفَعَ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِيَضُرَّ بِهَا ، لِأَنَّهُ حَكِيمٌ لَا يَبْتَدِي بِالضَّرَرِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلنَّفْعِ ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ أَوْ لِنَفْعِ عِبَادِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ ، لِأَنَّهُ غَنِيُّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الِانْتِفَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا لِيَنْفَعَ بِهَا عِبَادَهُ ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا مُبَاحًا ، وَأَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا آذِنًا لَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ ، وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ فَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهُ تَفْتَرُونَ ) ، فَأَوْقَعَ جَلَّ ذِكْرُهُ اللَّائِمَةَ عَلَى الْمُحَلِّلِ مِنْهُمْ وَالْمُحَرِّمِ لَهَا ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي تَحْلِيلِ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ ، وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يَنْهَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الزَّاعِمِينَ ، أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَبَيْنَ الْقَائِلِينَ أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى التَّحْرِيمِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14355الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ مَا :