باب القول في المبين والمجمل
أما
nindex.php?page=treesubj&link=21363المبين فهو : " ما استقل بنفسه ، في الكشف عن المراد ، ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره " ، وذلك على ضربين : ضرب يفيد بنطقه ، وضرب يفيد بمفهومه . فالذي يفيد بنطقه هو : النص ، والظاهر ، والعموم .
فالنص : " كل لفظ دل على الحكم بصريحه ، على وجه لا احتمال فيه " .
مثل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32ولا تقربوا الزنا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) ، ونحو ذلك من الألفاظ الصريحة في بيان الأحكام .
nindex.php?page=treesubj&link=21294والظاهر : " كل لفظ احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر " .
كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الخطاب الموضوعة للمعاني المخصوصة المحتملة لغيرها .
nindex.php?page=treesubj&link=21110والعموم : " ما عم شيئين فصاعدا " . nindex.php?page=treesubj&link=21110_21294والفرق بين العموم والظاهر : أن العموم : ليس بعض ما يتناوله اللفظ بأظهر فيه من بعض ، وتناوله للجميع على لفظ واحد ، فيجب حمله على عمومه ، إلا أن يخصه دليل أقوى منه ، وأما الظاهر : فإنه يحتمل معنيين ، إلا أن أحدهما أظهر وأحق باللفظ من الآخر ، فيجب
[ ص: 233 ] حمله على أظهرهما ، ولا يجوز صرفه عنه إلا بما هو أقوى منه ، فكل عموم ظاهر ، وليس كل ظاهر عموما .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=21363الضرب الذي يفيد بمفهومه فهو : فحوى الخطاب ، ولحن الخطاب ، ودليل الخطاب .
ففحوى الخطاب : " ما دل عليه اللفظ من جهة التنبيه كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف ) ، فيه تنبيه على النهي عن ضربهما وسبهما ، لأن الضرب والسب أعظم من التأفيف .
وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) ، فيه تنبيه على أنه يؤدي ما كان دون القنطار ، ففي هذه الآية نبه بالأعلى على الأدنى ، وفي الآية الأولى نبه بالأدنى على الأعلى .
وزعم بعض أهل اللغة : أن فحوى الخطاب اشتق من تسميتهم الأبزار فحا ، يقال : " فح قدرك يا هذا " ، فسمي فحوى لأنه : يظهر اللفظ كما يظهر الأبزار طعم الطبيخ ورائحته .
وأما لحن الخطاب فهو : " ما دل عليه اللفظ من الضمير الذي لا يتم الكلام إلا به " ، مثل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=60اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) ، ومعناه : فضرب فانفجرت .
ومن ذلك أيضا : حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه : كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82واسأل القرية ) ومعناه : اسأل أهل القرية .
ولا خلاف أن هذا ، كالمنطوق به في الإفادة والبيان .
[ ص: 234 ] وأما دليل الخطاب فهو : " أن يعلق الحكم على إحدى صفتي الشيء ، فيدل على أن ما عداها بخلافه " ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) ، فيه دلالة على أن العدل ، إن جاء بنبإ لم يتبين .
وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) ، فيه دليل على أن المبتوتات غير الحوامل لا يجب عليهن الإنفاق .
وأما المجمل فهو : " ما لا يعقل معناه من لفظه ، ويفتقر في معرفة المراد إلى غيره " .
مثال ذلك : أن الله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670169 " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم ، وأموالهم إلا بحقها " ، فالحق المذكور في الآية ، والمذكور في الحديث ، كل واحد منهما مجهول الجنس والقدر ، فيحتاج إلى البيان .
بَابُ الْقَوْلِ فِي الْمُبَيَّنِ وَالْمُجْمَلِ
أَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=21363الْمُبَيَّنُ فَهُوَ : " مَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ ، فِي الْكَشْفِ عَنِ الْمُرَادِ ، وَلَمْ يْفَتَقِرْ فِي مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ إِلَى غَيْرِهِ " ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : ضِرْبٌ يُفِيدُ بِنُطْقِهِ ، وَضَرْبٌ يُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ . فَالَّذِي يُفِيدُ بِنُطْقِهِ هُوَ : النَّصُّ ، وَالظَّاهِرُ ، وَالْعُمُومُ .
فَالنَّصُّ : " كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ بِصَرِيحِهِ ، عَلَى وَجْهٍ لَا احْتِمَالَ فِيهِ " .
مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ .
nindex.php?page=treesubj&link=21294وَالظَّاهِرُ : " كُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الْآخَرِ " .
كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْخَطَّابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لِغَيْرِهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=21110وَالْعُمُومُ : " مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا " . nindex.php?page=treesubj&link=21110_21294وَالْفَرَقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالظَّاهِرِ : أَنَّ الْعُمُومَ : لَيْسَ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِأَظْهَرَ فِيهِ مِنْ بَعْضٍ ، وَتَنَاوُلُهُ لِلْجَمِيعِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ ، إِلَّا أَنْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ ، وَأَمَّا الظَّاهِرُ : فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ ، إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَظْهَرُ وَأَحَقُّ بِاللَّفْظِ مِنَ الْآخَرِ ، فَيَجِبُ
[ ص: 233 ] حَمْلُهُ عَلَى أَظْهَرِهِمَا ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَنْهُ إِلَّا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ، فَكُلُّ عُمُومٍ ظَاهِرٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ ظَاهِرٍ عُمُومًا .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=21363الضَّرْبُ الَّذِي يُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ فَهُوَ : فَحْوَى الْخِطَابِ ، وَلَحْنُ الْخِطَابِ ، وَدَلِيلُ الْخِطَابِ .
فَفَحْوَى الْخِطَابِ : " مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) ، فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِهِمَا وَسَبِّهِمَا ، لِأَنَّ الضَّرْبَ وَالسَّبَّ أَعْظَمُ مِنَ التَّأْفِيفِ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) ، فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يُؤَدِّي مَا كَانَ دُونَ الْقِنْطَارِ ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ نَبَّهَ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى ، وَفِي الْآيَةِ الْأُولَى نَبَّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى .
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ : أَنَّ فَحْوَى الْخِطَابِ اشْتُقَّ مِنْ تَسْمِيَتِهِمُ الْأَبْزَارَ فَحًّا ، يُقَالُ : " فَحَّ قِدْرُكَ يَا هَذَا " ، فَسُمِّيَ فَحْوَى لِأَنَّهُ : يُظْهِرُ اللَّفْظَ كَمَا يُظْهِرُ الْأَبْزَارُ طَعْمَ الطَّبِيخِ وَرَائِحَتَهُ .
وَأَمَّا لَحْنُ الْخِطَابِ فَهُوَ : " مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ " ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=60اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) ، وَمَعْنَاهُ : فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا : حَذْفُ الْمُضَافِ ، وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ : كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ) وَمَعْنَاهُ : اسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ .
وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا ، كَالْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْإِفَادَةِ وَالْبَيَانِ .
[ ص: 234 ] وَأَمَّا دَلِيلُ الْخِطَابِ فَهُوَ : " أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى إِحْدَى صِفَتِي الشَّيْءِ ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلَافِهِ " ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ) ، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ ، إِنْ جَاءَ بِنَبَإٍ لَمْ يُتَبَيَّنْ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَبْتُوتَاتِ غَيْرَ الْحَوَامِلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْإِنْفَاقُ .
وَأَمَّا الْمُجْمَلُ فَهُوَ : " مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ مِنْ لَفْظِهِ ، وَيَفْتَقِرُ فِي مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ إِلَى غَيْرِهِ " .
مِثَالُ ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670169 " أُمِرْتُ أَنَّ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا " ، فَالْحَقُّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ ، فَيَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ .