الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا شهد الشهود على رجل بحد هو خالص حق الله تعالى بعد تقادم العهد لم تقبل شهادتهم ، وقد بينا هذا في كتاب الحدود وذكرنا حد التقادم في حد الزنا والسرقة ، فأما في شرب الخمر ، فكذلك الجواب عند محمد ، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى حد التقادم زوال رائحة الخمر حتى لا يقام عليه إذا شهدوا بعد زوال رائحة الخمر أو أقر هو بذلك فمحمد رحمه الله تعالى يقول هذا حد ظهر سببه عند الإمام فلا يشترط لإقامته بقاء أثر الفعل كحد الزنا والسرقة ، وهذا ; لأن وجود الرائحة لا يمكن أن يجعل دليلا ، فقد يتكلف لزوال الرائحة مع بقاء أثر الخمر في بطن الشارب ، وقد توجد رائحة الخمر من غير الخمر ، فإن من استكثر من أكل السفرجل والتفاح يوجد منه رائحة الخمر قال القائل :

يقولون لي إنك شربت مدامة فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا

فكان هذا شاهد زور ، ألا ترى أنه لا يقام الحد لوجود الرائحة ما لم يشهد الشهود عليه بالشرب [ ص: 172 ] أو يقر به وهما احتجا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتي بشارب الخمر قال مزمزوه وترتروه واستنكهوه فإن وجدتم رائحة الخمر فحدوه ، فقد شرط لإقامة الحد وجود الرائحة والمعنى فيه أن حد الخمر ضعيف من الوجه الذي بينا أنه لا نص فيه فلا يقام إلا على الوجه الذي ورد الأثر به ، وإنما ورد الأثر بإقامة الحد على من كان الخمر في بطنه ولوجود الخمر في بطنه علامة ، وهو وجود الرائحة منه فلا يقضي إلا بظهور تلك العلامة كالمرأة إذا ادعت الولادة ما لم تشهد القابلة بذلك لا يقضي القاضي به ثم زوال رائحة الخمر بعد الشرب لا يكون إلا بمضي زمان ، وقد بينا أنه لا نص في حق التقادم ففيما أمكن اعتبار التقادم لمعنى في الفعل كان المصير إليه أولى من المصير إلى غيره .

ووجود رائحة الخمر من غير الخمر نادر ، ولا يكون مستداما أيضا فلا يعتبر ذلك ، ولكن هذا إذا كان بحضرة الإمام ، فأما إذا كانوا بالبعد منه فجاءوا به بعد زوال الرائحة لبعد المسافة فالصحيح أنه لا يمتنع استيفاء الحد بشهادتهم ; لأنه لم يوجد منهم تفريط وما لا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا ، ألا ترى أن الإمام إذا علم أن الشارب تكلف لإزالة الرائحة لا يمتنع من إقامة الحد عليه فهذا مثله

التالي السابق


الخدمات العلمية