الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإن مات المكاتب وترك وفاء فأديت مكاتبته فقذفه رجل فلا حد عليه لشبهة الاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم أنه مات حرا أو عبدا ، وقد بينا هذا فيما سبق وبعد ثبوت القذف يسأله البينة أنه حر يريد به إنه إذا زعم القاذف أن المقذوف عبد ، وقد بينا أن الحرية الثابتة بالظاهر لا تكفي لثبوت الإحصان واستحقاق الحد على القاذف ، وكذلك إذا ادعى القاذف أنه عبد [ ص: 108 ] وعليه حد العبيد فالقول قوله فما لم يقم المقذوف البينة على حريته لا يقام عليه حد الأحرار فإن عرف القاضي حريته اكتفي بمعرفته ; لأن علم القاضي أقوى من الشهادة ، ولا يقال : كيف يقضي القاضي بالحد بعلمه ; لأن في حد القذف له أن يقضي بعلمه ، ولأنه إنما يقضي بالحرية هنا بعلمه والحرية ليست بسبب لوجوب الحد فإن اختلف الشاهدان في الوقت أو المكان لم تبطل شهادتهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قولهما لا يحد القاذف بهذه الشهادة ، فالحاصل أن ما يكون قولا محضا كالبيوع والأقارير ونحوها فاختلاف الشهود في المكان أو الزمان لا يمنع قبول الشهادة ; لأنه مما يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الأول فلا يختلف المشهود به باختلافهما في المكان والزمان ، وكذلك لو اختلفا في الإنشاء والإقرار ; لأن حقيقة الإنشاء والإقرار واحد في هذا الباب ومن هذه الجملة القرض ; لأن تمام القرض ، وإن كان بالتسليم ولكن تحمل الشهادة على قول المقرض أقرضتك ، وذلك قول فألحقه بالإقرار لهذا ، فأما الجناية والغصب ، وما أشبههما من الأفعال اختلاف الشهود في المكان والزمان والإقرار والإنشاء يمنع قبول الشهادة ; لأن الفعل مما لا يتكرر والإقرار بالفعل غير الفعل ، وما لم يتفق الشاهدان على شيء واحد لا يتمكن القاضي من القضاء به والنكاح من هذا النوع أيضا ; لأنه ، وإن كان قولا فلا يصح إلا بمحضر من شاهدين وحضور الشهود فعل فألحق بالأفعال لهذا ، وفي القول الذي لا يتم إلا بالفعل كالهبة والصدقة والرهن اختلاف معروف نذكره في الهبة والرهن .

فأما القذف فأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا : اختلاف الشهود فيه في المكان والزمان يمنع قبول الشهادة ; لأنه إنشاء سبب موجب للحد ، وما لم يتفق الشاهدان على سبب واحد لا يتمكن القاضي من القضاء ، ألا ترى أنهما لو اختلفا في الإقرار والإنشاء لم تقبل شهادتهما وألحق ذلك بالأفعال ؟ فكذلك لو اختلفا في الوقت والمكان ، وهذا ; لأن وجوب الحد بالتناول من عرض المقذوف فالشهادة عليه بمنزلة الشهادة على التناول من نفسه بالجناية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القذف قول قد تكرر فيكون حكم الثاني حكم الأول فلا يختلف المشهود به باختلافهما في المكان والزمان كالطلاق والعتاق بخلاف الإقرار والأفعال ، وهذا هو القياس إذا اختلفا في الإنشاء والإقرار ، قال : إلا أني أستحسن هناك ; لأن حكم الإقرار بالقذف مخالف لحكم الإنشاء بالقذف ، ألا ترى أن من تزوج امرأة ثم أقر أنه كان قذفها قبل أن يتزوجها فعليه الحد ، وإن قذفها في الحال لاعنها [ ص: 109 ] وكذلك لو أبان امرأته ثم أقر أنه كان قذفها قبل الإبانة فلا حد عليه ، ولا لعان ، ولو قذفها في الحال حد فلما كان حكم الإقرار مخالفا لحكم الإنشاء يتحقق الاختلاف بين الشاهدين إذا اختلفا في الإقرار والإنشاء ، فأما حكم القذف لا يختلف بالمكان والزمان فلا يتحقق الاختلاف بينهما في الشهود به ، وإن اختلفا في المكان والزمان

التالي السابق


الخدمات العلمية