( قال ) وإن حبسه حتى يسأل عنهم ; لأنه صار متهما بارتكاب الكبيرة فيحبس ، ولا تقطع يده قبل السؤال عن الشهود ; لأن هذا شيء لو وقع فيه الغلط لا يمكن تداركه وتلافيه فعلى الحاكم أن يسأل عن الشهود صيانة لقضاء نفسه طعن الخصم فيه أو لم يطعن ، وهذا ; لأن الشبهة متمكنة في شهادتهم قبل التزكية ومع تمكن الشبهة لا يقدم على استيفاء ما يندرئ بالشبهات ، فأما في غير الحدود والقصاص مما لا يندرئ بالشبهات فالقاضي يقضي عند كان القاضي يعرف شهود الحدود والقصاص أنهم أحرار مسلمون غير أنه لا يعرف عدالتهم ، ولا يطعن فيهم السارق رحمه الله قبل أن يسأل عنهم إلا أن يطعن الخصم فيهم أو [ ص: 171 ] يستريب فيهم ، أبي حنيفة وعندهما لا يقضي ما لم يسأل عنهم على كل حال ; لأنه مأمور بالقضاء بالشهادة العادلة فما لم تظهر العدالة عنده لا يجوز له أن يقضي شرعا ، كما في الحدود ، وهذا ; لأنه مأمور بالتوقف في خبر الفاسق منهي عن العمل به ، فإنما ينتفي الفسق عنهم بالتزكية فما لم يظهر ذلك عنده بالسؤال لا يحل له أن يقضي ; لأن قبل السؤال ثبوت عدالتهم بالظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لإثبات الاستحقاق به . رحمه الله تعالى وأبو حنيفة
استدل بقوله صلى الله عليه وسلم { } وهكذا روي عن المسلمون عدول بعضهم على بعض رضي الله عنه فيما كتب به إلى عمر رضي الله عنه ، فقد عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسلم بإسلامه فتعديل صاحب الشرع إياه لا يختلف عن تعديل المزكي فيتمكن القاضي من القضاء إلا أن يطعن الخصم فهو أيضا معدل بإسلامه على لسان صاحب الشرع فللتعارض احتاج الإمام إلى السؤال ، ولهذا يتبين أن هذا ليس بقضاء بالظاهر بل بدليل موجب له ، وهو إسلامه فالمسلم يكون منزجرا عن ارتكاب ما يعتقد الحرمة فيه حتى يظهر خلافه ثم المستحق بشهادتهما مال إذا وقع فيه الغلط أمكن تداركه بالرد فلا يجب على القاضي الاستقصاء فيه للقضاء بخلاف الحدود وبهذا تبين أن السؤال عن الشهود هناك لحق المدعي ، فإنما يشتغل به عند طلبه ، فأما قبل الطلب لو اشتغل القاضي به كان ذلك منه إنشاء لخصومة ، وهو مأمور بفصل الخصومة لا بإنشائها فكان ذلك إعانة منه لأحد الخصمين ، وهو منهي عن ذلك أبي موسى الأشعري