الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7260 ) فصل : والإبل على ثلاثة أضراب ; باركة ، وراعية ، وسائرة ، فأما الباركة : فإن كان معها حافظ لها ، وهي معقولة ، فهي محرزة ، وإن لم تكن معقولة ، وكان الحافظ ناظرا إليها ، أو مستيقظا بحيث يراها ، فهي محرزة ، وإن كان نائما ، أو مشغولا عنها ، فليست محرزة ; لأن العادة أن الرعاة إذا أرادوا النوم عقلوا إبلهم ; ولأن حل المعقولة ينبه النائم والمشتغل . وإن لم يكن معها أحد ، فهي غير محرزة ، سواء كانت معقولة أو لم تكن .

                                                                                                                                            وأما الراعية : فحرزها بنظر الراعي إليها ، فما غاب عن نظره ، أو نام عنه ، فليس بمحرز ; لأن الراعية إنما تحرز بالراعي ونظره ، وأما السائرة : فإن كان معها من يسوقها ، فحرزها نظره إليها ، سواء كانت مقطرة أو غير مقطرة . وما كان منها بحيث لا يراه ، فليس بمحرز . وإن كان معها قائد ، فحرزها أن يكثر الالتفات إليها ، والمراعاة لها ، ويكون بحيث يراها إذا التفت . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يحرز القائد إلا التي زمامها بيده ; لأنه يوليها ظهره ، ولا يراها إلا نادرا ، فيمكن أخذها من حيث لا يشعر . ولنا أن العادة في حفظ الإبل المقطرة بمراعاتها ، بالالتفات ، وإمساك زمام الأول ، فكان ذلك حرزا لها ، كالتي زمامها في يده .

                                                                                                                                            فإن سرق من أحمال الجمال السائرة المحرزة متاعا قيمته نصاب ، قطع ، وكذلك إن سرق الجمل ، وإن سرق الجمل بما عليه ، وصاحبه نائم عليه ، لم يقطع ; لأنه في يد صاحبه ، وإن لم يكن صاحبه نائما عليه ، قطع [ ص: 100 ] وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا قطع عليه ; لأن ما في الحمل محرز به ، فإذا أخذ جميعه ، لم يهتك حرز المتاع ، فصار كما لو سرق أجزاء الحرز .

                                                                                                                                            ولنا أن الجمل محرز بصاحبه ، ولهذا لو لم يكن محرزا ، فقد سرقه من حرز مثله ، فأشبه ما لو سرق المتاع . ولا نسلم أن سرقة الحرز من حرزه لا توجب القطع ، فإنه لو سرق الصندوق بما فيه من بيت هو محرز فيه ، وجب قطعه . وهذا التفصيل في الإبل التي في الصحراء ، فأما التي في البيوت والمكان المحصن ، على الوجه الذي ذكرنا في الثياب ، فهي محرزة . والحكم في سائر المواشي كالحكم في الإبل ، على ما ذكرناه من التفصيل فيها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية