الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7670 ) فصل : قال أصحابنا : تؤخذ الصدقة مضاعفة من مال من تؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي عبيد . وذكر أنه قول أهل الحجاز . فعلى هذا ، تؤخذ من مال نسائهم وصبيانهم ومجانينهم وزمناهم ومكافيفهم وشيوخهم ، إلا أن أبا حنيفة لا يوجب الزكاة في مال صبي ولا مجنون ، فكذا الواجب على بني تغلب ، لا يجب في مال صبي ولا مجنون ، إلا في الأرض خاصة .

                                                                                                                                            وذهب الشافعي إلى أن هذا جزية تؤخذ باسم الصدقة ، فلا تؤخذ ممن لا جزية عليه ، كالنساء والصبيان والمجانين . قال : وقد روي عن عمر أنه قال : هؤلاء حمقى ، رضوا بالمعنى ، وأبوا الاسم . وقال النعمان بن زرعة خذ منهم الجزية باسم الصدقة .

                                                                                                                                            ولأنهم أهل ذمة ، فكان الواجب عليهم جزية لا صدقة ، كغيرهم من أهل الذمة ، ولأنه مال يؤخذ من أهل الكتاب لحقن دمائهم ومساكنهم ، فكان جزية ، كما لو أخذ باسم الجزية ، يحققه أن الزكاة طهرة ، وهؤلاء لا طهرة لهم . فعلى هذا ، يكون مصرف المأخوذ منهم مصرف الفيء ، لا مصرف الصدقات ، وهذا أقيس . واحتج أصحابنا بأنهم سألوا عمر أن يأخذ منهم ما يأخذ بعضكم من بعض . فأجابهم عمر إليه بعد الامتناع منه ، والذي يأخذه بعضنا من بعض هو الزكاة ، من كل مال زكوي لأي مسلم كان ، من صغير وكبير ، وصحيح ومريض ، كذلك المأخوذ من بني تغلب ، ولأن نساءهم وصبيانهم صينوا عن السبي بهذا الصلح ، ودخلوا في حكمه ، فجاز أن يدخلوا في الواجب به ، كالرجال العقلاء .

                                                                                                                                            وعلى هذا ، من كان منهم فقيرا أو له مال غير زكوي كالدور ، وثياب البذلة ، وعبيد الخدمة ، لا شيء عليه ، كما لا يجب ذلك على أهل الزكاة من المسلمين ، [ ص: 276 ] ولا تؤخذ مما لم يبلغ نصابا . فأما مصرف المأخوذ منهم ، فاختار القاضي أن مصرفه مصرف الفيء ; لأنه مأخوذ من مشرك ، ولأنه جزية مسماة بالصدقة .

                                                                                                                                            وقال أبو الخطاب : مصرفه إلى أهل الصدقات ; لأنه مسمى باسم الصدقة مسلوك به في من يؤخذ منه - مسلك الصدقة ، فيكون مصرفه مصرفها . والأول أقيس وأصح ; لأن معنى الشيء أخص به من اسمه ، ولهذا لو سمي رجل أسدا ، أو نمرا ، أو أسود ، أو أحمر ، لم يصر له حكم المسمى بذلك ، ولأن هذا لو كان صدقة على الحقيقة ، لجاز دفعها إلى فقراء من أخذت منهم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { أعلمهم أن عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم ، فترد في فقرائهم } .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية