الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7073 ) فصل : فأما غنيمة أموالهم ، وسبي ذريتهم ، فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافا ، وقد ذكرنا حديث أبي أمامة ، وابن مسعود ; ولأنهم معصومون ، وإنما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم ، وما عداه يبقى على أصل التحريم . وقد روي أن عليا رضي الله عنه يوم الجمل ، قال : من عرف شيئا من ماله مع أحد ، فليأخذه . وكان بعض أصحاب علي قد أخذ قدرا وهو يطبخ فيها ، فجاء صاحبها ليأخذها ، فسأله الذي يطبخ فيها إمهاله حتى ينضج الطبيخ ، فأبى ، وكبه ، وأخذها .

                                                                                                                                            وهذا من جملة ما نقم الخوارج من علي ، فإنهم قالوا : إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فإن حلت له دماؤهم ، فقد حلت له أموالهم ، وإن حرمت عليه أموالهم ، فقد حرمت عليه دماؤهم . فقال لهم ابن عباس : أفتسبون أمكم ؟ يعني عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فإن قلتم : ليست أمكم . فقد كفرتم ، وإن قلتم : إنها أمكم . واستحللتم سبيها ، فقد كفرتم . يعني بقوله إنكم إن جحدتم أنها أمكم ، فقد قال الله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } . فإن لم تكن أما لهم ، لم يكونوا من [ ص: 11 ] المؤمنين . ولأن قتال البغاة إنما هو لدفعهم وردهم إلى الحق ، لا لكفرهم ، فلا يستباح منهم إلا ما حصل ضرورة الدفع ; كالصائل ، وقاطع الطريق ، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة . وما أخذ من كراعهم وسلاحهم ، لم يرد إليهم حال الحرب ; لئلا يقاتلونا به .

                                                                                                                                            وذكر القاضي ، أن أحمد أومأ إلى جواز الانتفاع به حال التحام الحرب ، ولا يجوز في غير قتالهم . وهذا قول أبي حنيفة ; لأن هذه الحال يجوز فيها إتلاف نفوسهم وحبس سلاحهم وكراعهم ; فجاز الانتفاع به ، كسلاح أهل الحرب . وقال الشافعي : لا يجوز ذلك إلا من ضرورة إليه ; لأنه مال مسلم ، فلم يجز الانتفاع به بغير إذنه ، كغيره من أموالهم . وقال أبو الخطاب : في هذه المسألة وجهان ، كالمذهبين . ومتى انقضت الحرب ، وجب رده إليهم ، كما ترد إليهم سائر أموالهم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه . } وروى أبو قيس ، أن عليا رضي الله عنه نادى : من وجد ماله فليأخذه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية