الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو شهدوا على مسلم بفلس لم يجز ؟ قال بلى قلت ، ولو شهدت لرجل امرأة وحدها على أحد بفلس لم يجز ؟ قال : بلى قلت ، فأسمعك فيما عدا شهود الزنا من المسلمين قد جعلت الشهادات كلها تامة في شيء ناقصة في غيره وعبت ذلك علينا وإنما قلنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعناها حيث وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعنا حكم الله عز وجل حيث وضعه .

قال فقال فإذا حلفتم الرجل مع شاهده فكيف زعمتم أن رجلا لو كان غائبا عن بلد فشهد له رجل بحق له على رجل من وصية ، أوصى له بها ميت ، أو شهد لابنه بحق وهو يوم شهد الشاهد صغير وغائب ، أو شهد له بحق وليه عبد له ، أو [ ص: 9 ] وكيل حلف وهو لا يعلم شهد شاهده بحق أم لا

وهو إن حلف حلف على ما لا يعلمه ( قال الشافعي ) رحمه الله : فقلت له لا ينبغي لرجل أن يحلف على ما لا يعلم ولكن العلم يكون من وجوه .

قال وما هي ؟ قلت أن يرى الرجل بعينه ، أو يسمع بأذنه من الذي عليه الحق ، أو يبلغه فيما غاب عنه الخبر يصدقه فيسعه اليمين على كل واحد من هذا .

قال أما الرؤية وما سمع من الذي عليه الحق فأعرفه .

وأما ما جاء به الخبر الذي يصدق فقد يمكن فيه الكذب فكيف يكون هذا علما أحلفه عليه ؟ قال فقلت له الشهادة على علمه أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه ، أو يراها ، أو اليمين قال كل لا ينبغي إلا هكذا وإن الشهادة لأولاهما أن لا يشهد منها إلا على ما رأى ، أو سمع قلت ; لأن الله عز وجل حكى عن قوم أنهم قالوا { وما شهدنا إلا بما علمنا } وقال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } قال نعم قلت له أفيشهد الرجل على أن فلانا ابن فلان وهو غريب لم ير أباه قط ؟ قال نعم قلت فإنما سمعه ينتسب هذا النسب ولم يسمع من يدفعه عنه ولا من شهد له بأن ما قال كما قال .

قال : نعم قلت ويشهد أن هذه الدار دار فلان وأن هذا الثوب ثوبه ، وقد يمكن أن يكون غصب هذه الدار ، أو أعيرها ويمكن ذلك في الثوب .

قال وإن أمكن ، إذا لم ير مدافعا له في الدار والثوب ، وكان الأغلب عليه أن ما شهد به كما شهد وسعته الشهادة وإن أمكن فيه أن يكون ليس على ما شهد به ولكن يشهد على الأغلب قلت : أرأيت لو اشترى رجل من رجل عبدا ولد بالمشرق ، أو بالمغرب ، والمشتري ابن مائة سنة ، أو أكثر ، والمشترى ابن خمس عشرة سنة ، ثم باعه ، فأبق عند المشتري فكيف تحلف البائع ؟ قال أحلفه لقد باع العبد بريئا من الإباق قال فقلت يحلف البائع فقال لك هذا مغربي ، أو مشرقي ، وقد يمكن أن يكون أبق قبل أن يولد جدي ، قال وإن ; يسأل ؟ قلت وكيف تمكن المسألة ؟ قال كما أمكنتك قلت وكيف يجوز هذا ؟ قال ; لأن الأيمان يدخلها هذا قال أورأيت لو كان العبد ولد عنده أما كان يمكن فيه أن يأبق ولا يدري به ؟ قلت بلى : قال فهذا لا تختلف الناس في أنهم يحلفون على البت لقد باع بريئا من الإباق ولكن يسعه أن يحلف على البت وإنما ذلك على علمه قلت فهل طعنت في الحالف على الحق يصير له بوجه من الوجوه وصية ، أو ميراث ، أو شيء يليه عبده ، أو وكيله غائبا عنه بشيء إلا لزمك أكثر منه في الشهادات ، والأيمان ؟ قال ما يجد الناس من هذا بدا وما زال الناس يجيزون ما وصفت لك : قلت فإذا أجازوا الشيء فلم لم يجيزوا مثله وأولى أن يكون علما يسمع عليه الشهادة ، واليمين منه ؟ قال هذا يلزمنا قال فإن مما رددنا به اليمين مع الشاهد أن الزهري أنكرها قلت لقد قضى بها الزهري حين ولي فلو كان أنكرها ، ثم عرفها وكنت إنما اقتديت به فيها كان ينبغي أن يكون أثبت لها عندك أن يقضي بها بعد إنكارها وتعلم أنه إنما أنكرها غير عارف بها وقضى بها مستفيدا علمها .

، ولو أقام على إنكارها ما كان في هذا ما يشبه على عالم قال وكيف قلت أرويت أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنكر على معقل بن يسار { حديث بروع بنت واشق أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها المهر ، والميراث } ورد حديثه وقال بخلافه ؟ قال : نعم قلت وقال بخلاف حديث بروع بنت واشق مع علي زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر ؟ قال : نعم قلت ورويت عن عمر بن الخطاب أن عمار بن ياسر روى { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب أن يتيمم } ، فأنكر ذلك عليه وأقام عمر على أن لا يتيمم الجنب وأقام على ذلك مع عمر ابن مسعود وتأولا قول الله عز وجل { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قال : نعم قلت ورويت وروينا { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وليس معه من الناس إلا بلال وأسامة وعثمان ، فأغلقها عليه وكلهم سميع بصير حريص على حفظ فعله والاقتداء به فخرج أسامة فقال أراد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فيها فجعل كلما [ ص: 10 ] استقبل منها ناحية استدبر الأخرى وكره أن يستدبر من البيت شيئا فكبر في نواحيها وخرج ولم يصل فكان ابن عباس يفتي أن لا يصلى في البيت }

وغيره من أصحابنا بحديث أسامة . وقال بلال صلى فما تقول أنت ؟ قال يصلى في البيت ، وقول من قال : كان أحق من قول من قال : لم يكن ; لأن الذي قال : كان شاهد والذي قال : لم يكن ليس بشاهد ، قلت : وجعلت حديث بروع بنت واشق سنة ولم تبطلها برد علي رضي الله تعالى عنه ، وخلاف ابن عباس وابن عمر وزيد وثبت حديث بروع ؟ قال : نعم قلت وجعلت تيمم الجنب سنة ولم تبطلها برد عمر وخلاف ابن مسعود في التيمم وتأولهما قول الله عز وجل { وإن كنتم جنبا فاطهروا } والطهور بالماء وقول الله عز ذكره { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } قال : نعم قلت له ، وكذلك تقول لو دخلت أنا وأنت على فقيه ، أو قاض فخرجت فقلت حدثنا كذا وقضى بكذا وقلت أنت ما حدثنا ولا قضى بشيء كان القول قولي لأني شاهد وأنت مضيع ، أو غافل ؟ قال : نعم قلت فالزهري لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أكثر أصحابه فلو أقام على إنكار اليمين مع الشاهد أي حجة تكون فيه إذا كان من أنكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه لا يبطل قول من روى الحديث كان الزهري إذا لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بأن لا يوهن به حديث من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان بعض السنن قد يعزب عن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجدوها عند الضحاك بن سفيان وحمل بن مالك مع قلة صحبتهما وبعد دارهما وعمر يطلبها من الأنصار ، والمهاجرين فلا يجدها فإن كان الحكم عندنا وعندك أن من حدث أولى ممن أنكر الحديث فكيف احتججت بأن الزهري أنكر اليمين مع الشاهد ؟ فقال لي : لقد علمت ما في هذا حجة .

قلت : فلم احتججت .

به ؟ قال احتج به أصحابنا وأن عطاء أنكرها .

قلت والزنجي أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا رجعة إلا بشاهدين إلا أن يكون عذر فيأتي بشاهد ويحلف مع شاهده ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فعطاء يفتي باليمين مع الشاهد فيما لا يقول به أحد من أصحابنا ، ولو أنكرها عطاء هل كانت الحجة فيه إلا كهي في الزهري وأضعف منها فيمن أنكر ما لم يسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لا ، قلت لو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها أكان لأحد خلافها وردها بالتأويل ؟ قال لا فذكرت له بعض ما روينا فيها وقلت له أتثبت مثل هذا ؟ قال نعم ولكني لم أكن سمعته قلت : أفذهب عليك من العلم شيء ؟ قال نعم ، قلت فلعل هذا مما قد ذهب عليك وإذ قد سمعته فصر إليه فكذلك يجب عليك .

قال فإنه قد بلغنا { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد } أن خزيمة بن ثابت شهد لصاحب الحق ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فسألته من أخبره فإذا هو يأتي بخبر ضعيف لا يثبت مثله عندنا ولا عنده ، فقلت له أرأيت لو كان خبرك هذا قويا ، وكان خزيمة قد شهد لصاحب الحق ، فأحلفه النبي صلى الله عليه وسلم ألم تكن خالفت خبرك الذي به احتججت ؟ قال وأين خالفته ؟ قلت أيعدو خزيمة أن يكون يقوم مقام شاهد فهو كما قلنا قال لا ولكنه من بين الناس يقوم مقام شاهدين قلت فإن جاء طالب حق بشاهدين أتحلفه معهما ؟ قال لا ، ولكن أعطيه حقه بغير يمين ، قلت له : فهذه إذا سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرى خالفتها ; لأنه إن كان قضى بشهادة خزيمة وهو يقوم مقام شاهدين فقد

[ ص: 11 ] أحلف مع شاهدين وإن كان قضى بشهادة خزيمة وهو كشاهدين فيما روينا عنه فقد قضى قضيتين خالفتهما معا .

قال فلعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما قضى باليمين أنه علم أن حق الطالب حق فقلت له : أفيجوز في جميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيه بقضية إما بإقرار من المدعى عليه ، أو ببينة المدعي أن يقال لعله إنما قضى به أنه علم أن ما أقر به المقر ، أو ما قامت به البينة حق فلا يجوز لأحد بعده أن يقضي ببينة ولا بإقرار ; لأن أحدا بعده لا يعلم صدق البينة ولا المقر ; لأن هذا لا يعلم إلا من جهة الوحي ، والوحي قد انقطع بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ، قلت : وما قضى به على ما قضى به ولا يبطل بلعل ؟ قال نعم ، قلت : فلم أردت إبطال اليمين مع الشاهد بلعل ؟ وقلت له : وأكلمك على لعل أفرأيت لو جاءك رجل يدعي على رجل ألفا فعلمت أنها عليه ثابتة هل تعدو من أن تكون ممن يقضي بعلمه فتأخذها له منه ولا تكلفه شاهدا ولا يمينا ، أو ممن لا يأخذ بعلمه فلا تعطيه إياها إلا بشاهدين سواك ؟ قال ما أعدو هذا ، قلت له : فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد من قبل أنه علم أن ما ادعى المدعي حق كنت خالفته ؟ قال فلعل المطلوب رضي بيمين الطالب .

قلت : وقد عدت إلى لعل ، وقلت : أرأيت لو جاءك خصمان فرضي المطلوب بيمين الطالب أكنت تكلفه شاهدا وتحلفه ؟ قال : لا ، قلت : ولو حلف مع شاهده ، والمطلوب يرضى بيمينه لم تعطه شيئا قال لا أعطيه بيمينه مع شاهده شيئا ولكن إن أقر بحقه أعطيته .

قلت : أنت تعطيه إذا أقر ولا تحلف الطالب ؟ قال نعم ، قلت : فهذه سنة أخرى إن كانت كما قلت خالفتها .

قال فما تقول أنت في أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : على المسلمين أن يحكموا بها كما حكم ، وكذلك ألزمهم الله .

قال فلعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم من جهة الوحي ، قلت : فما حكم به من جهة الوحي فقد بينه ، وذلك مثل ما أحل للناس وحرم وما حكم به بين الناس بالبينة فعلى الظاهر حكم به ؟ قال فما يدل على ذلك ؟ قلت : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما أنا بشر تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قلت له : فقد أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أنه إنما يقضي بينهم بما يظهر له وأن الله ولي ما غاب عنه وليستن به المسلمون فيحكموا على ما يظهر لهم ; لأن أحدا بعده من ولاة المسلمين لا يعرف صدق الشاهد أبدا إنما يحكم على الظاهر ، وقد يمكن في الشهود الكذب ، والغلط ، ولو كان القضاء لا يكون إلا من جهة الوحي لم يكن أحد يقضي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن أحدا لا يعرف الباطن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا حلفتم الحر مع شاهده فكيف أحلفتم المملوك ، والكافر الذي لا شهادة له ؟ قلت : أرأيت الحر العدل إذا شهد لنفسه أتجوز شهادته ؟ قال لا ، قلت : ولو جازت شهادته أحلف على شهادته ؟ قال لا ، قلت : فكيف توهمت أنا جعلناه شاهدا لنفسه ؟ قال ; لأنكم أعطيتموه بيمينه فقامت مقام شاهد ، فقلت له : أعطيناه بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي وإن أعطي بها كما يعطى بشاهد فليس معناها معنى الشهادة ، قال وهل تجد على ما تقول دلالة ؟ قلت نعم إن شاء الله تعالى ، قلت له : أرأيت إن ادعى عليه حقا فجاء بشاهدين يشهدان له بالبراءة مما ادعى عليه أيبرأ ؟ قال نعم ، قلت : فإن حلف ولا بينة عليه أيبرأ ؟ قال نعم ، قلت : أفتقوم يمينه ببراءته مما ادعي عليه مقام شاهدين ؟ قال نعم في هذا الموضع ، قلت : أفيمينه شاهدان ؟ قال لا وهما إن اجتمعا

[ ص: 12 ] في معنى فقد يفترقان في غيره ; لأنه لو حلف ، فأبرأته ، ثم جاء طالب الحق بشاهدين أبطلت يمينه وأخذت لصاحب الحق حقه بشهادته ، قلنا فهكذا قلنا في اليمين وإن أعطينا بها كما أعطينا بشاهد فليست كالشاهد في كل أمرها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلت له : أرأيت لو قال لك قائل قال النبي صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه في زمان أهله أهل عدل وإسلام والناس اليوم ليسوا كذلك ولا أحلف من ادعي عليه من مشرك ولا مسلم غير عدل ، قال ليس ذلك له ، وإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فهو عام ، قلنا ، وكذلك اليمين مع الشاهد لما قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لطالب الحق كان الحر العدل وغيره سواء فيها ، والعبد ، والكافر كما يكونون سواء فيما يقع عليهم من الأيمان فيكون خير الناس لو كان يعرف إذا ادعي عليه يحلف فيبرأ ، والكافر أيضا كذلك فكذلك يحلفان ويأخذان ، وقلت له أرأيت أهل محلة وجد بين أظهرهم قتيل ، فأقام وليه شاهدين أنهم قتلوه خطأ ؟ قال فالدية عليهم ، قلت : فلو لم يقم شاهدين أتحلفهم وتعطيهم الدية ؟ قال نعم كما نعطيهم إذا أتى بشاهدين ، قلت : فأيمانهم بالبراءة من دمه إذا لم يكن له شاهدان كشاهدين لو شهدا عليهم بقتله فقال لا ، فقلت له ولم ، وقد أعطيت بها كما أعطيت بالشاهدين ؟ قال إنما أعطيت بالأثر ، قلت : ولا يلزمك ها هنا حجة ؟ قال لا ، قلنا فنحن أعطينا بالسنة التي هي أولى من الأثر فكيف زعمت أن الحجة لزمتنا ؟ قلت له : فأيمان أهل المحلة وهم مشركون كأيمانهم لو كانوا مسلمين ؟ قال نعم ، قلت : ولو ادعى رجل على رجل حقا فنكل عن اليمين أتعطي المدعي حقه ؟ قال نعم ، قلت أفنكوله كشاهدين لو شهدا عليه ؟ قال لا ، قلت فقد أعطيته بنكوله كما تعطي منه بشاهدين ؟ قال فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه } قلنا هذا روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبته وثبتناه برواية ابن عباس خاصة وروى ابن عباس { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد } وروى ذلك عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ذلك أبو هريرة وسعد بن عبادة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم فرددته وهو أكثر وأثبت وثبتنا وثبت معنا الذي هو دونه ، وقلت له أرأيت إذ حكم الله عز وجل في الزنا بأربعة شهود وجاءت بذلك السنة وقال الله عز وجل { شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } أما صار أهل العلم إلى إجازة أربعة في الزنا واثنين في غير الزنا ولم يقولوا أن واحدا منهما نسخ الآخر ولا خالفه وأمضوا كل واحد منهما على ما جاء فيه ؟ قال بلى قلت : فإذا أجاز أهل العلم شهادة النساء وحدهن في عيوب النساء وغيرها من أمر النساء بلا كتاب مضى فيه ولا سنة أيجوز أن يقال إذ حد الله الشهادات فجعل أقلها شاهدا وامرأتين فلا تجور شهادة النساء لا رجل معهن ومن أجازها خالف القرآن والسنة إذا كان أقل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد ويمين ، قال لا يجوز إذا لم يحظر القرآن لا يجوز أقل من شاهد وامرأتين نصا ولم تحظر ذلك السنة ، والمسلمون أعلم بمعنى القرآن والسنة .

قلت : والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم ، أو ما قالت الفقهاء عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال ، بل السنة ، قلت فلم رددت السنة في اليمين مع الشاهد وتأولت القرآن ولم ترد أثرا بأقل من شاهد ويمين فتأولت عليه القرآن ؟ قال وإذا ثبتت السنة لم أردها ، وكانت السنة دليلا على القرآن .

قلت : فإن عارضك أحد بمثل ما عارضت به فقال لا يثبت عن علي رضي الله تعالى عنه أنه أجاز شهادة القابلة ولا عن عمر أنه حكم بالقسامة ؟ قال إذا رواه الثقات فليس له هذا ، قلت ، فمن روى اليمين مع الشاهد

[ ص: 13 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق وأعرف ممن روى عن عمر وعلي ما رويت أفترد القوي وتأخذ بأضعف منه ؟ وقلت له لا يعدو الحكم بالشاهدين أن يكون محرما أن يجوز أقل منه فأنت تجيزه ، أو لا يكون محرما ذلك ، فأنت مخطئ بقولك إنه محرم أن يجوز أقل منه ، وقد بينا بعض ذلك في مواضعه وسكتنا عن كثير لعله أن يكون أكثر مما بينا اكتفاء بما بينا عما لم نبين وإن الحجة لتقوم بأقل مما بينا ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية