الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون

وصف الله تعالى الدنيا في هذه الآية بأنها لهو ولعب، أي: ما كان منها لغير وجه الله تعالى، فإن ما كان لله تعالى فهو من الآخرة، وأما أمور الدنيا التي هي زائدة على الضروري الذي به قوام العيش والقوة على الطاعات فإنما هو لهو ولعب، وتأمل ذلك في الملابس والمطاعم والمشارب والأقوال وغير ذلك.

وانظر إلى حاجة الغني والفقير في الأمور الضرورية فإنها واحدة، كالتنفس في الهواء، وسد الجوع، وستر العورة، وتوقي الحر والبرد، وهذه كلها عظم أمر العيش.

و "الحيوان" والحياة بمعنى، وهو عند سيبويه والخليل مصدر كالهيمان ونحوه، والمعنى: لا موت فيها، قاله مجاهد ، وهو حسن. وأصله: حييان، فأبدلت إحداهما واوا لاجتماع المثلين.

ثم وقفهم تعالى على حالهم في البحر عند الخوف العظيم، فإن كل بشر ينسى كل صنم وغيره، ويتمسك بالدعاء والرغبة إلى الله تبارك وتعالى، وقوله تعالى: إذا هم يشركون أي: يرجعون إلى ذكر أصنامهم وتعظيمها، وقوله: ليكفروا نصب بلام كي. وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : "وليتمتعوا" بكسر اللام، وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي : "ولتتمتعوا" بسكون اللام على صيغة الأمر التي هي للوعيد والتهديد، والواو -على هذا- عاطفة جملة كلام لا عاطفة فعلا على فعل، وفي مصحف أبي بن كعب : "فتمتعوا فسوف تعلمون"، وفي قراءة ابن مسعود : " فلسوف" باللام.

[ ص: 660 ] ثم عدد تعالى على كفرة قريش نعمته عليهم في الحرم في أنه جعله لهم آمنا لا خوف فيه من أحوال العرب وعاداتهم وسوء أفعالهم من القتل وأخذ الأموال ونحوه، وذلك هو "التخطف" الذي كان الناس بسبيله، ثم قررهم -على جهة التوبيخ- على إيمانهم بالباطل وكفرهم بالله وبنعمته، وقرأ جمهور القراء: "يؤمنون" بالياء من تحت، وكذلك "يكفرون"، وقرأهما بالتاء من فوق الحسن ، وأبو عبد الرحمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية