الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون

قوله تعالى: "أيعدكم" استفهام بمعنى التوقيف، على جهة الاستبعاد، وبمعنى الهزء بهذا الوعد، و"أنكم" الثانية بدل من الأولى عند سيبويه ، وفيها معنى تأكيد الأول، وكررت لطول الكلام، وإن كان المبرد أبى عبارة البدل لكونه من غير مستقل إذ لم يذكر خبر "أن" الأولى، والخبر عند سيبويه محذوف وتقديره: "أنكم تبعثون إذا متم". وهذا المقدر هو العامل في "إذا"، وفي قراءة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "أيعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون" بحذف "أنكم" الأولى، ويعنون بالإخراج النشور من القبور.

وقولهم: هيهات هيهات استبعاد، وهذه كلمة لها معنى الفعل، التقدير: بعد كذا، فطورا يليها الفاعل دون لام، تقول: هيهات مجيء زيد، أي: بعد ذلك، ومنه قول جرير :


فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله

وأحيانا يكون الفاعل محذوفا، وذلك عند اللام كهذه الآية، والتقدير: بعد الوجود [ ص: 294 ] لما توعدون، ومن حيث كانت هذه اللفظة بمعنى الفعل أشبهت الحروف مثل "مه" وغيرها، فلذلك بنيت على الفتح، وهذه قراءة الجماعة بفتح التاء، وهي مفرد سمي به الفعل في الخبر، أي: بعد، كما أن "شتان" اسم "افترق"، وعرف تسمية الفعل أن يكون في الأمر كصه وهس.

وقرأ أبو جعفر : "هيهات هيهات" بكسر التاء غير منونة. وقرأها عيسى بن عمر ، وأبو حيوة -بخلاف عنه- "هيهات هيهات" منونة، وهي على هاتين القراءتين عند سيبويه جمع "هيهات"، وكان حقها أن تكون "هيهات" إلا أن ضعفها لم يقتض إظهار الياء، فقال سيبويه رحمه الله: هي مثل "بيضات"، أراد: "في أنها جمع"، وظن بعض النحاة أنه أراد: "في اتفاق المفرد" فقال: واحد "هيهات": "هيهه"، وليس كما قال، وتنوين عيسى على إرادة التنكير، وترك أبو جعفر التنوين على إرادة التعريف. وقرأ عيسى الهمداني : "هيهات هيهات" بتاء ساكنة، وهي -على هذا- جماعة لا مفرد، وقرأها كذلك الأعرج ، ورويت عن أبي عمرو ، وقرأ أبو حيوة : "هيهات" بتاء مرفوعة منونة، وهذا على أنه اسم معرب مستقل وخبره لما توعدون ، أي: البعد لوعدكم، كما تقول: النجم لسعيكم، وروي عن أبي حيوة "هيهات" بالرفع دون تنوين، وقرأ خالد بن إلياس : "هيهاتا هيهاتا" بالنصب والتنوين. والوقف على "هيهات" من حيث هي مبنية بالهاء، ومن قرأ بكسر التاء وقف بالتاء، وفي اللفظة لغات: هيها، وهيهات، [ ص: 295 ] وهيهان، وأيهات، وهيهات، وهيهات، وهيهاه، "قال رؤبة :


هيهاه من منخرق هيهاؤه

وقرأ ابن أبي عبلة : "هيهات هيهات ما توعدون" بغير لام.

وقولهم: إن هي إلا حياتنا الدنيا أرادوا أنه لا وجود لنا غير هذا الوجود، وإنما تموت منا طائفة فتذهب وتجيء طائفة جديدة، وهذا كفر الدهرية . و"بمؤمنين" معناه: بمصدقين، ثم دعا عليهم نبيهم وطلب عقوبتهم على تكذيبهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية