الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون

"يوم" بدل من الأول في قوله تعالى: يوم يبعثون ، والمعنى: يوم لا تنفع أعلاق الدنيا ومحاسنها، فقصد من ذلك الذكر العظيم والأكثر; لأن المال والبنين هما زينة الحياة الدنيا، والظاهر أن الاستثناء منقطع، أي: لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه، وقوله: بقلب سليم معناه: خالص من الشرك والمعاصي وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين، قال سفيان : هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا يقتضي عموم اللفظة، ولكن السليم من الشرك هو الأهم، وقال الجنيد : بقلب لديغ من خشية الله، و "السليم": اللديغ.

"وأزلفت" معناه: قربت، و "الغاوون الذين برزت لهم الجحيم" هم المشركون، بدلالة أنهم خوطبوا في أمر الأصنام، والقول لهم: أين ما كنتم تعبدون من دون الله [ ص: 493 ] هو على وجه التقريع والتوبيخ والتوقيف على عدم نظرتهم نحوه. وقرأ الأعمش : "فبرزت" بالفاء، والجمهور بالواو. وقرأ مالك بن دينار : "وبرزت" بفتح الباء والتخفيف ورفع "الجحيم".

ثم أخبر عن حال يوم القيامة من أن الأصنام تكبكب في النار، أي تلقى كبة واحدة، ووصل بها ضمير من يعقل من حيث ذكرت بالعبادة، وكانت يسند إليها أفعال من يعقل. والضمير في قوله: "هم" يعود على الكفار، و "الغاوون": الشياطين. و "كبكب" مضاعف من "كب"، هذا قول الجمهور، وهو الصحيح; لأن معناهما واحد، والتضعيف بين، مثل: صر وصرصر، وغير ذلك. و "الغاوون": الكفرة الذين شملتهم الغواية. و " جنود إبليس " : نسله وكل من تبعه لأنهم جند له وأعوان.

التالي السابق


الخدمات العلمية