الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون

هذا أيضا توبيخ، والمعنى: ألم يعرفوه صادقا مدة عمره ولم يقع منهم قط إنكار لمعرفة وجه محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنما أنكروا صدقه.

وقوله تعالى: أم يقولون به جنة توبيخ أيضا لأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين ذي الجنة لا يخفى على ذي فطرة، ثم بين تعالى حاله -عليه الصلاة والسلام- في مجيئه بالحق.

وقوله تعالى: ولو اتبع الحق أهواءهم ، قال ابن جريج وأبو صالح : "الحق" الله تعالى.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا ليس من نمط الآية، وقال غيرهما: الحق هنا: الصواب والمستقيم.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا هو الأحرى، على أن يكون المذكور قبل الذي جاء به محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويستقيم -على هذا- فساد السماوات والأرض ومن فيهن لو كان بحكم هوى هؤلاء، وذلك أنهم جعلوا لله شركاء وأولادا، ولو كان هذا حقا لم تكن لله -تبارك وتعالى- الصفات العلية، ولو لم يكن له لم تكن له تلك الصنعة ولا القدرة، وكان ذلك فساد السماوات والأرض ومن فيهن، ومن قال: إن "الحق" في الآية الله تعالى تشعبت له [ ص: 312 ] لفظة "اتبع" وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية; لأن لفظة الاتباع -على كلا الوجهين- إنما هي استعارة بمعنى أن تكون أهواؤهم يصونها الحق ويقررها، فنحن نجد الله -تعالى- قد قدر كفر أمم وأهواءهم، فليس في ذلك فساد سموات، وأما الحق نفسه الذي هو الصواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء، فتأمله.

وقرأ ابن وثاب : "ولو اتبع" بضم الواو، وقال أبو الفتح : الضم في هذه الواو قليل، والوجه تشبيهها بواو الجمع كقوله تعالى: اشتروا الضلالة .

وقوله تعالى: "بذكرهم" يحتمل أن يريد: بوعظهم والبيان لهم، قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- وقرأ قتادة : "نذكرهم" بنون مضمومة وذال مفتوحة وكسر الكاف مشددة، ويحتمل أن يريد: بشرفهم، وهو مروي. وقرأ عيسى بن عمر ، وابن أبي إسحاق : "أتيتهم بذكرهم" بضم تاء المتكلم، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا: "بل أتيتهم" خطابا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وقرأ الجمهور : "بل أتينهم بذكرهم" أي جئناهم، وروي عن أبي عمرو "آتيناهم" بالمد، بمعنى أعطيناهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية