الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ، اختلف في مرجع الضمير الذي هو لفظ هو من قوله هو سماكم [ 22 \ 78 ] فقال بعضهم : الله هو الذي سماكم المسلمين من قبل في هذا ، وهذا القول مروي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وعطاء ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة ، كما نقله عنهم ابن كثير ، وقال بعضهم هو أي : إبراهيم سماكم المسلمين ، واستدل لهذا بقول إبراهيم وإسماعيل ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [ 2 \ 128 ] وبهذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، كما نقله عنه ابن كثير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا أن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولا وتكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول ، وجئنا بأمثلة كثيرة في الترجمة ، وفيما مضى من الكتاب ، وفي هذه الآيات قرينتان تدلان على أن قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم غير صواب .

                                                                                                                                                                                                                                      إحداهما : أن الله قال هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ، أي : القرآن ، ومعلوم أن إبراهيم لم يسمهم المسلمين في القرآن ، لنزوله بعد وفاته بأزمان طويلة كما نبه على هذا ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                                                      القرينة الثانية : أن الأفعال كلها في السياق المذكور راجعة إلى الله ، لا إلى إبراهيم فقوله هو اجتباكم ، أي : الله وما جعل عليكم في الدين من حرج ، أي : الله هو سماكم المسلمين أي : الله .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : الضمير يرجع إلى أقرب مذكور ، وأقرب مذكور للضمير المذكور : هو إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أن محل رجوع الضمير إلى أقرب مذكور محله ما لم يصرف عنه صارف ، وهنا قد صرف عنه صارف ; لأن قوله " وفي هذا " يعني القرآن ، دليل على أن [ ص: 303 ] المراد بالذي سماهم المسلمين فيه : هو الله لا إبراهيم ، وكذلك سياق الجمل المذكورة قبله نحو هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج [ 22 \ 78 ] يناسبه أن يكون هو سماكم أي : الله ، المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية بعد أن ذكر : أن الذي سماهم المسلمين من قبل وفي هذا : هو الله ، لا إبراهيم ما نصه :

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا هو الصواب ; لأنه تعالى قال : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه ملة إبراهيم أبيهم الخليل ، ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها ، والثناء عليها في سالف الدهر ، وقديم الزمان في كتاب الأنبياء ، تتلى على الأحبار والرهبان فقال : هو سماكم المسلمين من قبل أي : من قبل هذا القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا روى النسائي عند تفسير هذه الآية : أنبأنا هشام بن عمار ، حدثنا محمد بن شعيب ، أنبأنا معاوية بن سلام أن أخاه زيد بن سلام ، أخبره عن أبي سلام أنه أخبره قال : أخبرني الحارث الأشعري ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم " ، قال رجل : يا رسول الله ، وإن صام وإن صلى ؟ قال : " نعم وإن صام وإن صلى ، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله " وقد قدمنا هذا الحديث بطوله عند تفسير قوله : ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون [ 2 \ 21 ] اهـ من تفسير ابن كثير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن كثير في تفسير سورة البقرة : إن الحديث المذكور فيه أن الله هو الذي سماهم المسلمين المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية