[ ص: 254 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحج
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28993_30180_30339يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد أمر جل وعلا في أول هذه السورة الكريمة الناس بتقواه جل وعلا ; بامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وبين لهم أن زلزلة الساعة شيء عظيم ، تذهل بسببه المراضع عن أولادها ، وتضع بسببه الحوامل أحمالها ، من شدة الهول والفزع ، وأن الناس يرون فيه كأنهم سكارى من شدة الخوف ، وما هم بسكارى من شرب الخمر ، ولكن عذابه شديد .
وما ذكره تعالى هنا من الأمر بالتقوى ، وذكره في مواضع كثيرة جدا من كتابه ; كقوله في أول سورة النساء :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام [ 4 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .
وما بينه هنا من شدة
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30296أهوال الساعة ، وعظم زلزلتها ، بينه في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إذا زلزلت الأرض زلزالها nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وأخرجت الأرض أثقالها nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وقال الإنسان ما لها nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها [ 99 - 4 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=14وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [ 69 \ 14 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا [ 56 \ 4 - 5 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=6يوم ترجف الراجفة nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=7تتبعها الرادفة nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=8قلوب يومئذ واجفة nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=9أبصارها خاشعة وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة [ 7 \ 187 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظم هول الساعة .
وقوله في هذه الآية الكريمة : اتقوا ربكم [ 22 ] قد أوضحنا فيما مضى معنى التقوى بشواهده العربية ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . والزلزلة : شدة التحريك والإزعاج ، ومضاعفة زليل الشيء عن مقره ومركزه ؛ أي تكرير انحرافه وتزحزحه عن موضعه ; لأن
[ ص: 255 ] الأرض إذا حركت حركة شديدة تزلزل كل شيء عليها زلزلة قوية .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يوم ترونها منصوب بـ ( تذهل ) والضمير عائد إلى الزلزلة . والرؤية بصرية ; لأنهم يرون زلزلة الأشياء بأبصارهم ، وهذا هو الظاهر ، وقيل : إنها من : رأى العلمية .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2تذهل كل مرضعة [ 22 كل مرضعة أي : كل أنثى ترضع ولدها ، ووجه قوله : مرضعة ، ولم يقل : مرضع : هو ما تقرر في علم العربية ، من أن الأوصاف المختصة بالإناث إن أريد بها الفعل لحقها التاء ، وإن أريد بها النسب جردت من التاء ، فإن قلت : هي مرضع ، تريد أنها ذات رضاع ، جردته من التاء كقول
امرئ القيس :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
وإن قلت : هي مرضعة بمعنى أنها تفعل الرضاع ؛ أي : تلقم الولد الثدي ، قلت : هي مرضعة بالتاء ، ومنه قوله :
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت بني بطنها هذا الضلال عن القصد
كما أشار له بقوله :
وما من الصفات بالأنثى يخص عن تاء استغنى لأن اللفظ نص
وحيث معنى الفعل يعني التاء زد كذي غدت مرضعة طفلا ولد
وما زعمه بعض النحاة
الكوفيين : من أن أم الصبي مرضعة بالتاء ، والمستأجرة للإرضاع : مرضع بلا هاء - باطل ، قاله
أبو حيان في البحر . واستدل عليه بقوله :
كمرضعة أولاد أخرى
- البيت ، فقد أثبت التاء لغير الأم ، وقول
الكوفيين أيضا : إن الوصف المختص بالأنثى لا يحتاج فيه إلى التاء ; لأن المراد منها الفرق بين الذكر والأنثى ، والوصف المختص بالأنثى لا يحتاج إلى فرق ; لعدم مشاركة الذكر لها فيه - مردود أيضا ، قاله
[ ص: 256 ] أبو حيان في البحر أيضا مستدلا بقول العرب : مرضعة ، وحائضة ، وطالقة . والأظهر في ذلك هو ما قدمنا ، من أنه إن أريد الفعل جيء بالتاء ، وإن أريد النسبة جرد من التاء ، ومن مجيء التاء للمعنى المذكور قول
الأعشى :
أجارتنا بيني فإنك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة : فإن قلت : لم قيل : ( مرضعة ) دون ( مرضع ) ؟
قلت : المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي . والمرضع : التي شأنها أن ترضع ، وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به ، فقيل : ( مرضعة ) ، فيدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها : نزعته عن فيه ; لما يلحقها من الدهشة . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2عما أرضعت الظاهر أن " ما " موصولة ، والعائد محذوف ؛ أي : أرضعته ، على حد قوله في الخلاصة :
والحذف عندهم كثير منجلي
في عائد متصل إن انتصب بفعل أو وصف كمن نرجو يهب
وقال بعض العلماء : هي مصدرية ؛ أي : تذهل كل مرضعة عن إرضاعها .
قال
أبو حيان في البحر : ويقوي كونها موصولة تعدي " وضع " إلى المفعول به في قوله : حملها لا إلى المصدر .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وتضع كل ذات حمل حملها ؛ أي : كل صاحبة حمل تضع جنينها من شدة الفزع والهول ، والـ ( حمل ) بالفتح : ما كان في بطن من جنين ، أو على رأس شجرة من ثمر
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وترى الناس سكارى جمع سكران ؛ أي : يشبههم من رآهم بالسكارى من شدة الفزع
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وما هم بسكارى من الشراب
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2ولكن عذاب الله شديد والخوف منه هو الذي صير من رآهم يشبههم بالسكارى ، لذهاب عقولهم من شدة الخوف ، كما يذهب عقل السكران من الشراب . وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : ( وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ( بفتح السين وسكون الكاف في الحرفين على وزن فعلى بفتح فسكون . وقرأه الباقون سكارى بضم السين وفتح الكاف بعدها ألف في الحرفين أيضا ، وكلاهما جمع سكران على التحقيق . وقيل : إن سكرى بفتح فسكون جمع سكر بفتح فكسر بمعنى :
[ ص: 257 ] السكران ، كما يجمع الزمن على الزمنى ، قاله
أبو علي الفارسي ، كما نقله عنه
أبو حيان في البحر . وقيل : إن سكرى مفرد ، وهو غير صواب .
واستدلال
المعتزلة بهذه الآية الكريمة على أن المعدوم يسمى شيئا ; لأنه وصف زلزلة الساعة بأنها شيء في حال عدمها قبل وجودها . قد بينا وجه رده في سورة مريم ، فأغنى عن إعادته هنا .
[ ص: 254 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْحَجِّ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28993_30180_30339يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ أَمَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ النَّاسَ بِتَقْوَاهُ جَلَّ وَعَلَا ; بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ، تَذْهَلُ بِسَبَبِهِ الْمَرَاضِعُ عَنْ أَوْلَادِهَا ، وَتَضَعُ بِسَبَبِهِ الْحَوَامِلُ أَحْمَالَهَا ، مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ وَالْفَزَعِ ، وَأَنَّ النَّاسَ يُرَوْنَ فِيهِ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَلَكِنَّ عَذَابَهُ شَدِيدٌ .
وَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى هُنَا مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى ، وَذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا مِنْ كِتَابِهِ ; كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ [ 4 ] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
وَمَا بَيَّنَهُ هُنَا مِنْ شَدَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30296أَهْوَالِ السَّاعَةِ ، وَعِظَمِ زَلْزَلَتِهَا ، بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=3وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [ 99 - 4 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=14وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [ 69 \ 14 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا [ 56 \ 4 - 5 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=6يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=7تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=8قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=9أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [ 7 \ 187 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عِظَمِ هَوْلِ السَّاعَةِ .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : اتَّقُوا رَبَّكُمْ [ 22 ] قَدْ أَوْضَحْنَا فِيمَا مَضَى مَعْنَى التَّقْوَى بِشَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا . وَالزَّلْزَلَةُ : شِدَّةُ التَّحْرِيكِ وَالْإِزْعَاجِ ، وَمُضَاعَفَةُ زَلِيلِ الشَّيْءِ عَنْ مَقَرِّهِ وَمَرْكَزِهِ ؛ أَيْ تَكْرِيرُ انْحِرَافِهِ وَتَزَحْزُحِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ ; لِأَنَّ
[ ص: 255 ] الْأَرْضَ إِذَا حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً تَزَلْزَلَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا زَلْزَلَةً قَوِيَّةً .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يَوْمَ تَرَوْنَهَا مَنْصُوبٌ بِـ ( تَذْهَلُ ) وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الزَّلْزَلَةِ . وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ ; لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ زَلْزَلَةَ الْأَشْيَاءِ بِأَبْصَارِهِمْ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا مِنْ : رَأَى الْعِلْمِيَّةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ [ 22 كُلُّ مُرْضِعَةٍ أَيْ : كُلُّ أُنْثَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ : مُرْضِعَةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ : مُرْضِعٍ : هُوَ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ ، مِنْ أَنَّ الْأَوْصَافَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْإِنَاثِ إِنْ أُرِيدَ بِهَا الْفِعْلُ لَحِقَهَا التَّاءُ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا النَّسَبُ جُرِّدَتْ مِنَ التَّاءِ ، فَإِنْ قُلْتَ : هِيَ مُرْضِعٌ ، تُرِيدُ أَنَّهَا ذَاتُ رَضَاعٍ ، جَرَّدْتَهُ مِنَ التَّاءِ كَقَوْلِ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ فأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُغْيَلِ
وَإِنْ قُلْتَ : هِيَ مُرْضِعَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَفْعَلُ الرَّضَاعَ ؛ أَيْ : تُلْقِمُ الْوَلَدَ الثَّدْيَ ، قُلْتَ : هِيَ مُرْضِعَةٌ بِالتَّاءِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
كَمُرْضِعَةٍ أَوْلَادَ أُخْرَى وَضَيَّعَتْ بَنِي بَطْنِهَا هَذَا الضَّلَالُ عَنِ الْقَصْدِ
كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ :
وَمَا مِنَ الصِّفَاتِ بِالْأُنْثَى يَخُصُّ عَنْ تَاءٍ اسْتَغْنَى لِأَنَّ اللَّفْظَ نَصٌّ
وَحَيْثُ مَعْنَى الْفِعْلِ يَعْنِي التَّاءَ زِدْ كَذِي غَدَتْ مُرْضِعَةً طِفْلًا وُلِدْ
وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ
الْكُوفِيِّينَ : مِنْ أَنَّ أُمَّ الصَّبِيِّ مُرْضِعَةٌ بِالتَّاءِ ، وَالْمُسْتَأْجَرَةَ لِلْإِرْضَاعِ : مُرْضِعٌ بِلَا هَاءٍ - بَاطِلٌ ، قَالَهُ
أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ . وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :
كَمُرْضِعَةٍ أَوْلَادَ أُخْرَى
- الْبَيْتَ ، فَقَدْ أَثْبَتَ التَّاءَ لِغَيْرِ الْأُمِّ ، وَقَوْلُ
الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا : إِنَّ الْوَصْفَ الْمُخْتَصَّ بِالْأُنْثَى لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى التَّاءِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَالْوَصْفُ الْمُخْتَصُّ بِالْأُنْثَى لَا يَحْتَاجُ إِلَى فَرْقٍ ; لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ الذَّكَرِ لَهَا فِيهِ - مَرْدُودٌ أَيْضًا ، قَالَهُ
[ ص: 256 ] أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ الْعَرَبِ : مُرْضِعَةٌ ، وَحَائِضَةٌ ، وَطَالِقَةٌ . وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا قَدَّمْنَا ، مِنْ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ الْفِعْلُ جِيءَ بِالتَّاءِ ، وَإِنْ أُرِيدَ النِّسْبَةُ جُرِّدَ مِنَ التَّاءِ ، وَمِنْ مَجِيءِ التَّاءِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ قَوْلُ
الْأَعْشَى :
أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غَادٍ وَطَارِقَهْ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : فَإِنْ قُلْتَ : لِمَ قِيلَ : ( مُرْضِعَةٍ ) دُونَ ( مُرْضِعٍ ) ؟
قُلْتُ : الْمُرْضِعَةُ الَّتِي هِيَ فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةٌ ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ . وَالْمُرْضِعُ : الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُرْضِعَ ، وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرِ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَصْفِهَا بِهِ ، فَقِيلَ : ( مُرْضِعَةٍ ) ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَوْلَ إِذَا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وَقَدْ أَلْقَمَتِ الرَّضِيعَ ثَدْيَهَا : نَزَعَتْهُ عَنْ فِيهِ ; لِمَا يَلْحَقُهَا مِنَ الدَّهْشَةِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2عَمَّا أَرْضَعَتْ الظَّاهِرُ أَنَّ " مَا " مَوْصُولَةٌ ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ؛ أَيْ : أَرْضَعَتْهُ ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ :
وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلِي
فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ بِفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ ؛ أَيْ : تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَنْ إِرْضَاعِهَا .
قَالَ
أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ : وَيُقَوِّي كَوْنَهَا مَوْصُولَةً تَعَدِّي " وَضَعَ " إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فِي قَوْلِهِ : حَمْلَهَا لَا إِلَى الْمَصْدَرِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ؛ أَيْ : كُلُّ صَاحِبَةِ حَمْلٍ تَضَعُ جَنِينَهَا مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ وَالْهَوْلِ ، وَالْـ ( حَمْلُ ) بِالْفَتْحِ : مَا كَانَ فِي بَطْنٍ مِنْ جَنِينٍ ، أَوْ عَلَى رَأْسِ شَجَرَةٍ مِنْ ثَمَرٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى جَمْعُ سَكْرَانَ ؛ أَيْ : يُشَبِّهُهُمْ مَنْ رَآهُمْ بِالسُّكَارَى مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ وَالْخَوْفُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي صَيَّرَ مَنْ رَآهُمْ يُشَبِّهُهُمْ بِالسُّكَارَى ، لِذَهَابِ عُقُولِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ ، كَمَا يَذْهَبُ عَقْلُ السَّكْرَانِ مِنَ الشَّرَابِ . وَقَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : ( وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى ( بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ فِي الْحَرْفَيْنِ عَلَى وَزْنِ فَعْلَى بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ . وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ سُكَارَى بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْكَافِ بَعْدَهَا أَلِفٌ فِي الْحَرْفَيْنِ أَيْضًا ، وَكِلَاهُمَا جَمْعُ سَكْرَانَ عَلَى التَّحْقِيقِ . وَقِيلَ : إِنَّ سَكْرَى بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ جَمَعُ سَكِرٍ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ بِمَعْنَى :
[ ص: 257 ] السَّكْرَانِ ، كَمَا يُجْمَعُ الزَّمِنُ عَلَى الزَّمْنَى ، قَالَهُ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ
أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ . وَقِيلَ : إِنَّ سَكْرَى مُفْرَدٌ ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ .
وَاسْتِدْلَالُ
الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ يُسَمَّى شَيْئًا ; لِأَنَّهُ وَصَفَ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ بِأَنَّهَا شَيْءٌ فِي حَالِ عَدَمِهَا قَبْلَ وُجُودِهَا . قَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ رَدِّهِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا .